- مقامات العاشق وما يجب عليه فيها

حتى إذا خاضَ الفتَى لُجَجَ الهوى جاءتْ أمور لا تُطَاقُ كبارُ

فلو لم ينتقل العاشق بنفسه في هذه المراتب من مرتبة إلى مرتبة، حتى وصلَ إلى الحد الذي يُؤذيه، لم يُصِبْه أذًى، فهو الجاني على نفسِه، وأشبه به قول القائل: "يَدَاكَ أُوكِتَا وفُوكَ نَفَخَ" (?). فتصور بهذا أنه مُخطئ بما صدرَ منه أو لا، وإن كان ينبغي أن يحتاطَ لنفسه ولا يُورّطَها فيما فيه هلاكُها.

فعلى هذا فالعاشقُ له ثلاث مقامات (?): مبتدأ، ومتوسط، ونهاية.

أما مبتدؤُه ففي أول الأمر واجب عليه كتمانُ ذلك وعدمُ إفشائِه للمخلوقين، تقليلاً للوشاة عليه، وإمالةً لقلب محبوبه إليه، مُراعيًا في ذلك شرائط الفتوة من العفة مع القدرة، وإلاّ التحقَ بالشيطان الرجيم وحزبِه، فازداد به الأمرُ إلى المقام الأوسط، فيغلبُ عليه الحال، فلا بأسَ بإعلام محبوبه بمحبته إياه، فيَخِفُّ بإعلامِه له وشكواه إليه ما يجده منه، ويَحْذَر من إطْلاعِ الناس على ذلك، فهو يكون سببَ هلاكِه. فإن زاد به الأمر حتى يخرج عن الحدودِ والضوابط المذكورة، فقد التحقَ مَن هذا حالُه بالمجانين والمولهين.

على أن من رَخَّص في العشق من العقلاء، لما ذكرنا من ترويضِه للنفس وتهذيبه للأخلاق، فجعلَه مشروطًا بالعفَّة المذكورة، كما قال قائلُهم: "عِفُوا تَشْرُفوا، وَاعْفُوا تَطْرفوا". وقال الأحنف بن قيس (?):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015