وقد دَلَّ الدليلُ كما ذكرنا على أنه ليس في العشق الصوري مصلحة دينية كما ذكرنا، وإنما فيه مصلحة رياضية نفسية، والمصالح الدينية مقدمة، مع ما يقرن بذلك مع أدائه إلى فساد الذهن وتشويش الحواس، وهو ملحق بشرب الخمر المحرم، وليس لصاحبه عذر يعتذر به ولا حجة يُقِيمها.
مثال ذلك أن من شرب الخمر فسَكِرَ، فحَصَلَ منه جناية في حق أحدٍ أو عَرْبَدَة على غيرِه، فأَتْلَفَ شيئًا، أخِذَ به، لأن الذي أزالَ عقلَه سبب محرم أدخلَه على نفسِه راضيًا غيرَ مُكرَهٍ، مع علمه قبل أن يشربه أنه يؤدي به الحال إلى هذا، فإذا اعتذر وقال: لم أَعِ ما قلتُ، ولا كان عقلٌ أميزُ به، قلنا له: أنتَ فرَّطتَ حين شربتَ.
ولهذا جَنَحَ بعضُ العلماء إلى مؤاخذة السكرانِ بما يصدرُ منه من طلاقٍ وعتاقٍ وجنايةٍ، بخلافِ من يَزول عقله بخلطٍ سوداوي أو روحاني، فإن ذلك ليس هو من فعلِه، ولا تسبب فيه برضاه، كما رُوِي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال (?): "رُفِع القلمُ عن ثلاث"، فذكر المجنون حتى يُفيقَ.
فعلى هذا لا ينبغي لأحد أن يُحْكِمَ على نفسِه عشقَ الصور، ليؤدي به الحال إلى الهلاك، فمن فعلَ ذلك فهو المفرط بنفسه والمقرر لها، فإذا هلكتْ فهو الذي أهلكها، وإذا قُتِلَتْ فهو الذي قتلَها، فإنه لولا تكرارُ نظرِه إلى وجه معشوقِه لم يَثبُتْ محبتُه في قلبه، حتى أدَّاه إلى ما أدَّاه.