وهو أَنِيْسُ المُؤنس وجليس المجالس (?)، وملك قاهر وسلطان.
وقال بعض العرب (?):
إذا أنتَ لم تَعْشَقْ ولم تَدْرِ ما الهوَى ... فأنتَ وعَيْرٌ في الفَلاَةِ سَواءُ
وحُكِيَ أنَّ جالينوسَ قال: من لم تبتهج نفسُه للصوت الشجي والوجه البهي فهو فاسد المزاج، يحتاج إلى العلاج.
وقال بعض الحكماء: العشقُ يُرَوِّض النفسَ ويُهذب الأخلاقَ، وإظهارُه طَبَعي، وإضمارُه تكليفي، حاجبُه الصبرُ وخادمُه الجوارحُ.
فهذه آثار - كما ترى - دالة على أنه ليس في العشق مصلحة شرعية دينية، وإنما مال إليه هؤلاء لما ذكروا فيه من المصالح العقلية والرياضية، من تهذيب النفس ورياضتها، ولو تَعلَّقَ هؤلاء بمحبة الإله المعبود لألْهَاهُم ذلك عن محبة الأشخاص الفانية، وحَصَلَ لهم مقصودُهم من رياضة النفس وفرط المحبة وتهذيب الأخلاق المذكورة، وصار كلُّ موجودٍ يُحدِثُ لهم الفِكرُ فيه وجدًا لِمُوْجدِه، وكلُّ مخلوقٍ يَتبيَّنُ لهم منه محبةٌ لخالقِه، فتخاطبهم الموجودات وَالمخلوقات بألسنةِ الأحوال، وتُوضح لهم أنه لا يَستحقُ المحبةَ على الكمال غيرُ ذِي الإكرام والجلال.
هذا ما يتعلق بالمقدمة وكيفية بناء الأصلين عليها. أما ما يتعلق بالعاشق فقد ذكرنا أنه لابدّ من تحصيل المصالح وتكميلها، وإعدامِ المفاسد وتقليلها، فمن دَخَلَ على أمرٍ ما فواجبٌ عليه أن ينظر في ذلك الأمر، فإن كانت مصلحتُه راجحة على مفسدتِه أَخَذَ بالأرجحِ.