ويُروى عن رجلٍ من أسلم أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِي بطعامٍ في بعض أسفاره، فأكل منه وأكل أصحابُهُ، وقبض الأسلميُّ يده، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مالك؟)) فقال: إنِّي صائمٌ، قال: ((فما حملَك على ذلك؟)) قال: معي ابناي يرحلان لي ويخدُماني، فقال: ((مازال لهُمُ الفضلُ عليك بعدُ)) (?) .
وفي " مراسيل أبي داود " (?) عن أبي قِلابة أنَّ ناساً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدِموا يُثنونَ على صاحبٍ لهم خيراً، قالوا: ما رأينا مثلَ فلانٍ قطُّ، ما كان في مسيرٍ إلاَّ كان في قراءةٍ، ولا نزلنا منْزلاً إلاَّ كان في صلاةٍ، قال: ((فمن كان يكفيه ضيعته (?) ؟)) حتى ذكر: ((ومن كان يعلِف جمله أو دابَّته؟)) قالوا: نحن، قال: ((فكلُّكم خيرٌ منه)) .
قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ومن سلك طريقاً يلتمسُ فيهِ علماً، سهَّل الله لهُ به طريقاً إلى
الجنَّة)) ، وقد روى هذا المعنى أيضاً أبو الدرداء عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (?) ، وسلوكُ الطَّريقِ لالتماس العلم يدخُلُ فيه سلوكُ الطَّريق الحقيقيِّ، وهو المشيُ بالأقدام إلى مجالسِ العلماء، ويدخلُ فيه سلوكُ الطُّرُق المعنويَّة المؤدِّية إلى حُصولِ العلمِ، مثل حفظه، ودارسته، ومذاكرته، ومطالعته، وكتابته، والتفهُّم له، ونحو ذلك مِنَ الطُّرق المعنوية التي يُتوصَّل بها إلى العلم.
وقوله: ((سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنَّة)) ، قد يُراد بذلك أنَّ الله يسهِّلُ له العلمَ الذي طلبَه، وسلك طريقه، وييسِّرُه عليه، فإنَّ العلمَ طريق موصلٌ إلى الجنَّة،