وخرَّجه أيضاً من رواية شهر بن حوشب (?) ، عن عبادة، أراه رفعه، قال
: ((يُؤتى بالدُّنيا يومَ القيامة، فيقال: مِيزوا منها ما كان لله - عز وجل -، وألقوا سائرها في النار)) .
فالدُّنيا وكلُّ ما فيها ملعونة، أي: مُبعدَةٌ عن الله؛ لأنَّها تَشغلُ عنه، إلاَّ العلمَ النَّافع الدَّالَّ على الله، وعلى معرفته، وطلب قُرْبِه ورضاه، وذكر الله وما والاه ممَّا يُقَرِّبُ مِنَ الله، فهذا هو المقصودُ مِنَ الدُّنيا، فإنَّ الله إنَّما أمرَ عبادَه بأنْ يتَّقوه ويُطيعوه، ولازِمُ ذلك دوامُ ذكره، كما قال ابن مسعود: تقوى الله حقّ تقواه أنْ يُذكَرَ فلا يُنسى (?) . وإنَّما شرعَ الله أقام الصَّلاةِ لذكره، وكذلك الحج والطَّواف. وأفضلُ أهل العبادات أكثرُهم ذكراً لله فيها، فهذا كلُّه ليس مِنَ الدُّنيا المذمومة، وهو المقصودُ من إيجاد الدُّنيا وأهلها، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (?) .
وقد ظنَّ طوائفُ مِنَ الفقهاء والصُّوفيَّة أنَّ ما يُوجدُ في الدُّنيا مِنْ هذه العبادات أفضلُ ممَّا يُوجد في الجنَّة مِنَ النَّعيم، قالوا: لأنَّ نعيمَ الجنَّةِ حقُّ (?) العبد، والعباداتُ في الدُّنيا حقُّ الربِّ، وحقُّ الربِّ أفضلُ من حظِّ العبد، وهذا غلطٌ، ويقوِّي غلطَهم قولُ كثيرٍ من المفسِّرين في قوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} (?) قالوا: الحسنةُ: لا إله إلا الله، وليس شيءٌ خيراً منها. ولكنَّ الكلامَ على التَّقديم والتَّأخير،