بالسيِّئة، فيسودُّ لها وجهه، ويَوْجَلُ منها قلبُه، وترتعدُ منها فرائصُهُ، ويأخذه من الحياء من ربِّه ما لا يعلمُه غيرُه، فيقول: أتعرف يا عبدي؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول: إنِّي قد غفرتُها لك، فيسجدُ، فلا يرى منه الخلائقُ إلاَّ السُّجود حتى ينادي بعضهم بعضاً: طوبى لهذا العبد الذي لم يَعصِ الله قطُّ، ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبينَ ربِّه ممَّا قد وَقَفَهُ عليه (?) .
وقال أبو عثمان النَّهديُّ، عن سلمان: يُعطى الرجل صحيفته يوم القيامة، فيقرأ أعلاها، فإذا سيئاته، فإذا كادَ يسوء ظنه، نظر في أسفلها، فإذا حسناته، ثم نظر في أعلاها فإذا هي قد بُدِّلت حسنات (?) . ورُوي عن أبي عثمان، عن ابن مسعود، وعن أبي عثمان من قوله وهو أصحُّ.
وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن بعض أصحاب معاذ بن جبل قال: يدخل أهلُ الجنة الجنة على أربعة أصناف: المتقين، ثم الشاكرين، ثم الخائفين، ثم أصحاب اليمين. قيل: لم سُمُّوا أصحابَ اليمين؟ قال: لأنَّهم عملوا الحسنات والسيئات، فأعطوا كتبهم بأيمانهم، فقرؤوا سيئاتهم حرفاً حرفاً قالوا: يا ربَّنا هذه سيِّئاتنا فأين حسناتُنا؟ فعندَ ذلك محا الله السيِّئات، وجعلها حسنات، فعند ذلك قالوا: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} (?) فهم أكثرُ أهل الجنة (?) . وأهلُ هذا القول قد يحملون أحاديث محو السيئات بالحسنات على محو عقوباتها دون محو كتابتها من الصحف، والله أعلم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وخالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسن)) هذا من خصال التقوى، ولا تَتِمُّ التقوى إلا به، وإنَّما أفرده بالذكر للحاجة إلى بيانه، فإنَّ كثيراً من النَّاس يظنُّ أنَّ التقوى هي القيامُ بحقِّ اللهِ دونَ حقوق عباده، فنصَّ له على الأمر بإحسان العشرة للناس، فإنَّه