كان قد بعثه إلى اليمن معلماً لهم ومفقهاً وقاضياً، ومَنْ كان كذلك، فإنَّه يحتاج إلى مخالقَةِ النَّاسِ بخلق حسن ما لا يحتاج إليه غيرُه ممن لا حاجةَ للنَّاس به ولا يُخالطهم، وكثيراً ما يغلب على من يعتني بالقيامِ بحقوق الله، والانعكاف على محبته وخشيته وطاعته إهمالُ حقوق العباد بالكُلِّيَّة أو التقصير فيها، والجمعُ بَيْنَ القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيزٌ جداً لا يَقوى عليه إلاَّ الكُمَّلُ مِنَ الأنبياءِ
والصديقين.
وقال الحارث المحاسبي: ثلاثةُ أشياء عزيزة أو معدومة: حسنُ الوجه مع الصِّيانة، وحسن الخلق مع الدِّيانة، وحُسنُ الإخاء مع الأمانة (?) .
وقال بعضُ السَّلف: جلس داود - عليه السلام - خالياً، فقال الله - عز وجل -: مالي أراك خالياً؟ قال: هجرتُ الناسَ فيك يا ربَّ العالمين، قال: يا داود ألا أدلُّك على ما تستبقي به وجوه الناس (?) ، وتبلغ فيه رضاي؟ خالق النَّاسَ بأخلاقهم، واحتجز الإيمانَ بيني وبينك (?) .
وقد عدَّ الله في كتابه مخالقة الناس بخلق حسن من خصال التقوى، بل بدأ بذلك في قوله: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (?) .
وروى ابنُ أبي الدنيا بإسناده عن سعيد المقبري قال: بلغنا أنَّ رجلاً جاء إلى
عيسى بنِ مريمَ - عليه السلام - فقال: يا معلِّمَ الخير، كيف أكون تقياً للهِ - عز وجل - كما ينبغي
له؟