أنْ يُوقف عليها صاحبُها ويقرأها يوم القيامة، واستدلوا بقولِهِ تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} (?) ، وفي الاستدلال بهذه الآية نظر؛ لأنَّه إنَّما ذكر فيها حال المجرمين، وهم أهل الجرائم والذنوب العظيمة، فلا يدخل فيهم المؤمنون التائبون من ذنوبهم، أو المغمورة ذنوبهم بحسناتهم. وأظهرُ من هذا الاستدلالُ بقولِهِ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (?) ، وقد ذكر بعضُ المفسرين أنَّ هذا القول هوَ الصحيحُ عندَ المحققين، وقد روي هذا القولُ عن الحسن البصري، وبلال بن سعد الدمشقي، قالَ الحسن: في العبدُ يذنب، ثُمَّ يتوبُ ويستغفِرُ: يُغفر لهُ، ولكن لا يُمحاه من كتابه دونَ أنْ يَقِفَه عليهِ، ثُمَّ يسأله عنه، ثم بكى الحسن بكاءً شديداً، وقال: لو لم نَبكِ إلاَّ للحياء من ذلك المقام، لكان ينبغي لنا أن نبكي.
وقال بلالُ بن سعد: إنَّ الله يغفرُ الذنوبَ، ولكن لا يمحوها من الصحيفة حتى يُوقِفَهُ عليها يومَ القيامة وإنْ تاب (?) .
وقال أبو هريرة: يُدني الله العبدَ يومَ القيامة، فيضع عليه كَنَفَهُ، فيسترُه مِنَ الخلائق كُلِّها، ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول: اقرأ يا ابنَ آدم كتابَك، فيقرأ، فيمر بالحسنة، فيبيضُّ لها وجهُهُ، ويُسرُّ بها قَلبُه، فيقولُ الله: أتعرِفُ يا عبدي؟ فيقول: نعم، فيقول: إنِّي قبلتها منك، فيسجد، فيقول: ارفع رأسَك وعُد في كِتابك، فيمر