كراهةُ الكلام فيما لا يقع، وإنما كان عالماً بالله وعالماً بأصول دينه. وقد قيل للإمام أحمد: مَنْ نسألُ بعدَك؟ قال: عبد الوهَّاب الورَّاق، قيل له: إنَّه ليس
له اتَّساعٌ في العلم، قال: إنَّه رجل صالح مثلُه يُوفَّقُ لإصابة الحق.
وسئل عن معروف الكرخي، فقال: كان معه أصلُ العلم: خشية الله. وهذا يرجعُ إلى قولِ بعض السَّلف: كفى بخشية الله علماً، وكفى بالاغترار بالله جهلاً. وهذا بابٌ واسع يطول استقصاؤه.
ولنرجع إلى شرح حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فنقول: مَنْ لم يشتغل بكثرة المسائل التي لا يوجدُ مثلُها في كتاب، ولا سنة، بل اشتغل بفهم كلام الله ورسوله، وقصدُه بذلك امتثالُ الأوامر، واجتنابُ النواهي، فهو ممَّنِ امتثلَ أمرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث، وعَمِلَ بمقتضاه، ومن لم يكن اهتمامُه بفهم ما أنزل الله على رسوله، واشتغل بكثرةِ توليدِ المسائل قد تقع وقد لا تقع، وتكلَّفَ أجوبتها بمجرَّد الرأي، خُشِيَ عليه أنْ يكونَ مخالفاً لهذا الحديث، مرتكباً لنهيه، تاركاً لأمره.
واعلم أنَّ كثرةَ وقوع الحوادث التي لا أصل لها في الكتاب والسنة إنَّما هو مِنْ ترك الاشتغال بامتثالِ أوامر الله ورسوله، واجتنابِ نواهي الله ورسوله، فلو أنَّ من أرادَ أنْ يعمل عملاً سأل عمَّا شرع الله في ذلك العمل فامتثله، وعما نهى عنه فاجتنبه، وقعت الحوادثُ مقيدةً بالكتاب والسنة.
وإنَّما يعمل العاملُ بمقتضى رأيه وهواه، فتقع الحوادثُ عامَّتُها مخالفةً لما شرعه الله وربما عسر ردُّها إلى الأحكام المذكورةِ في الكتاب والسنة؛ لبعدها عنها.