حتى يَكُرَّ عليك يوم التغابن.
سبيلُكَ في الدُّنيا سبِيلُ مُسافرٍ ... ولابُدَّ من زادٍ لكلِّ مسافِر
ولابدَّ للإنسان من حملِ عُدَّةٍ ... ولاسيما إنْ خافَ صولَة قاهِر
قال بعضُ الحكماء: كيف يفرحُ بالدنيا من يومُه يَهدِمُ شهرَه، وشهرُه يهدِمُ
سنَتَه، وسنته تَهدِمُ عُمُرَه، وكيف يفرح من يقوده عمرُه إلى أجله، وتقودُه حياتُه إلى موته.
وقال الفضيلُ بنُ عياض لرجلٍ: كم أتت عليك؟ قال: ستون سنة، قال فأنت منذ ستين سنة تسيرُ إلى ربِّك يُوشِكُ أنْ تَبلُغَ، فقال الرجل: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فقال الفضيلُ: أتعرف تفسيرَه تقول: أنا لله عبد وإليه راجع، فمن عَلِمَ أنَّه لله عبد، وأنَّه إليه راجع، فليعلم أنَّه موقوفٌ، ومن علم أنَّه موقوف، فليعلم أنَّه مسؤول، ومن عَلِمَ أنَّه مسؤولٌ، فليُعِدَّ للسؤال جواباً، فقال الرجل: فما الحيلةُ؟ قال: يسيرة، قال: ما هي؟ قال: تُحسِنُ فيما بقي يُغفَرُ لك ما مضى فإنّك إنْ أسأتَ فيما بقي، أُخِذْتَ بما مضى وبما بقي (?) ، وفي هذا يقول بعضُهم:
وإنَّ امرءاً قد سارَ سِتِّينَ حِجَّةٍ ... إلى مَنهَلٍ من وِرده لقَريبُ
قال بعضُ الحكماء: من كانت الليالي والأيام مطاياه، سارت به وإنْ لم
يسر (?) ، وفي هذا قال بعضهم:
وما هذه الأيامُ إلاَّ مراحِلُ ... يحثُّ بها داعٍ إلى الموتِ قاصدُ
وأعجَبُ شَيءٍ - لو تأمَّلت - أنَّها ... مَنازِلُ تُطوى والمُسافِرُ قَاعِدُ (?)