وقال آخر:
أيا ويحَ نفسي من نهارٍ يقودُها ... إلى عسكر الموتى ولَيلٍ يذودُها
قال الحسن: لم يزل الليلُ والنهار سريعين في نقص الأعمار، وتقريبِ الآجال، هيهات قد صحبا نوحاً وعاداً وثمودَ وقروناً بين ذلك كثيراً، فأصبحوا قَدِموا على ربِّهم، ووردوا على أعمالهم، وأصبح اللَّيلُ والنَّهارُ غضَّيْنِ جديدين، لم يُبلِهُما ما مرَّا به، مستعدِّين لمن بقي بمثل ما أصابا به من مضى.
وكتب الأوزاعيُّ إلى أخٍ له: أما بعد، فقد أُحيطَ بك من كلّ جانب، واعلم أنَّه يُسارُ بك في كلِّ يومٍ وليلةٍ، فاحذرِ الله، والمقام بين يديه، وأنْ يكونَ آخر عهدك به، والسَّلام (?) .
نَسيرُ إلى الآجالِ في كلِّ لحظةٍ ... وأيّامُنا تُطوى وهُنَّ مَراحِلُ
ولم أرَ مثلَ الموتِ حقاً كأنَّه ... إذا ما تخطَّتْهٌ الأمانيُّ باطِلُ
وما أقبحَ التَّفريطَ في زمنِ الصِّبا ... فكيف به والشَّيبُ للرَّأس شامِلُ
ترحَّل من الدُّنيا بزادٍ من التُّقى ... فعُمْرُكَ أيامٌ وهُنَّ قَلائِلُ
وأما وصيةُ ابن عمر رضي الله عنهما، فهي مأخوذةٌ مِنْ هذا الحديث الذي رواه، وهي متضمنة لنهاية قِصَرِ الأمل، وأنَّ الإنسان إذا أمسى لم ينتظر الصّباحَ، وإذا أصبح، لم ينتظر المساء، بل يظنُّ أنَّ أجلَهُ يُدركُه قبل ذلك، وبهذا فسّر غيرُ واحدٍ مِنَ العُلماء الزُّهدَ في الدنيا، قال المروذي: قلتُ لأبي عبد الله - يعني: أحمد - أيُّ شيءٍ الزُّهد في الدنيا؟