السَّلَامُ حِينَ كَلَّمَهُ: اعْلَمْ أَنَّ مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا أَوْ أَخَافَهُ، فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ، وَبَادَأَنِي وَعَرَّضَ نَفْسَهُ وَدَعَانِي إِلَيْهَا، وَأَنَا أَسْرَعُ شَيْءٍ إِلَى نُصْرَةِ أَوْلِيَائِي، أَفَيَظُنُّ الَّذِي يُحَارِبُنِي أَنْ يَقُومَ لِي؟ أَوْ يَظُنُّ الَّذِي يُعَازُّنِي أَنْ يُعْجِزَنِي؟ أَمْ يُظَنُّ الَّذِي يُبَارِزُنِي أَنْ يَسْبِقَنِي أَوْ يَفُوتَنِي؟ وَكَيْفَ وَأَنَا الثَّائِرُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلَا أَكِلُ نُصْرَتَهُمْ إِلَى غَيْرِي ".
وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ الْمَعَاصِي مُحَارَبَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ الْحَسَنُ بْنُ آدَمَ هَلْ لَكَ بِمُحَارَبَةِ اللَّهِ مِنْ طَاقَةٍ؟ فَإِنَّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَقَدْ حَارَبَهُ، لَكِنْ كُلَّمَا كَانَ الذَّنْبُ أَقْبَحَ، كَانَ أَشَدَّ مُحَارَبَةً لِلَّهِ، وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى أَكَلَةَ الرِّبَا وَقُطَّاعَ الطَّرِيقِ مُحَارِبِينَ لِلَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ؛ لِعِظَمِ ظُلْمِهِمْ لِعِبَادِهِ، وَسَعْيِهِمْ بِالْفَسَادِ فِي بِلَادِهِ، وَكَذَلِكَ مُعَادَاةُ أَوْلِيَائِهِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى يَتَوَلَّى نُصْرَةَ أَوْلِيَائِهِ، وَيُحِبُّهُمْ وَيُؤَيِّدُهُمْ، فَمَنْ عَادَاهُمْ، فَقَدْ عَادَى اللَّهَ وَحَارَبَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا، فَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ» خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» : لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مُعَادَاةَ أَوْلِيَائِهِ مُحَارَبَةٌ لَهُ، ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَصْفَ أَوْلِيَائِهِ الَّذِينَ تَحْرُمُ مُعَادَاتُهُمْ، وَتَجِبُ مُوَالَاتُهُمْ، فَذَكَرَ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْهِ، وَأَصْلُ الْوِلَايَةِ الْقُرْبُ، وَأَصْلُ الْعَدَاوَةِ الْبُعْدُ، فَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ هُمُ الَّذِينَ يَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهِ بِمَا يُقَرِّبُهُمْ مِنْهُ، وَأَعْدَاؤُهُ الَّذِينَ أَبْعَدَهُمْ عَنْهُ بِأَعْمَالِهِمِ الْمُقْتَضِيَةِ لِطَرْدِهِمْ وَإِبْعَادِهِمْ مِنْهُ، فَقَسَّمَ أَوْلِيَاءَهُ الْمُقَرَّبِينَ قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ فِعْلَ الْوَاجِبَاتِ، وَتَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ الَّتِي افْتَرَضَهَا عَلَى عِبَادِهِ.