وَالثَّانِي: مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ بِالنَّوَافِلِ، فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ يُوصِّلُ إِلَى التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَوِلَايَتِهِ، وَمَحَبَّتِهِ سِوَى طَاعَتِهِ الَّتِي شَرَعَهَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، فَمَنِ ادَّعَى وِلَايَةَ اللَّهِ، وَمَحَبَّتَهُ بِغَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ، تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ، كَمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادَةِ مَنْ يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِهِ، كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] [الزُّمَرِ: 3] ، وَكَمَا حَكَى عَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ قَالُوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] [الْمَائِدَةِ: 18] مَعَ إِصْرَارِهِمْ عَلَى تَكْذِيبِ رُسُلِهِ، وَارْتِكَابِ نَوَاهِيهِ، وَتَرْكِ فَرَائِضِهِ. فَلِذَلِكَ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ عَلَى دَرَجَتَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْمُتَقَرِّبُونَ إِلَيْهِ بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَهَذِهِ دَرَجَةُ الْمُقْتَصِدِينَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأَدَاءُ الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَدَاءُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ، وَالْوَرَعُ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ، وَصِدْقُ النِّيَّةِ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي خُطْبَتِهِ: أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ، وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا افْتَرَضَ عَلَى عِبَادِهِ هَذِهِ الْفَرَائِضَ لِيُقَرِّبَهُمْ مِنْهُ، وَيُوجِبَ لَهُمْ رِضْوَانَهُ وَرَحْمَتَهُ. وَأَعْظَمُ فَرَائِضِ الْبَدَنِ الَّتِي تُقَرِّبُ إِلَيْهِ: الصَّلَاةُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] [الْعَلَقِ: 19] ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» ، وَقَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ، أَوْ رَبُّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ» . وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015