نَفْسِهِ بِهِ وَيُبْدِيهِ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، بَلْ كَانَ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، كَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالْقَتْلِ، وَالْقَذْفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، إِذَا أَصَرَّ الْعَبْدُ عَلَى إِرَادَةِ ذَلِكَ، وَالْعَزْمِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَثَرٌ فِي الْخَارِجِ أَصْلًا. فَهَذَا فِي الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ: أَحَدُهُمَا: يُؤَاخَذُ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: سَأَلْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ: أَيُؤَاخَذُ الْعَبْدُ بِالْهِمَّةِ؟ فَقَالَ: إِذَا كَانَتْ عَزْمًا أُوخِذَ. وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِنَحْوِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235] [الْبَقَرَةِ: 235] ، وَقَوْلِهِ: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] [الْبَقَرَةِ: 225] ، وَبِنَحْوِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» ، وَحَمَلُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ، أَوْ تَعْمَلْ عَلَى الْخَطَرَاتِ» ، وَقَالُوا: مَا سَاكَنَهُ الْعَبْدُ، وَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبَهُ، فَهُوَ مَنْ كَسْبِهِ وَعَمَلِهِ، فَلَا يَكُونُ مَعْفُوًّا عَنْهُ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بِالْهُمُومِ وَالْغُمُومِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ. وَقِيلَ: بَلْ يُحَاسَبُ الْعَبْدَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقِفُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَعْفُو عَنْهُ، وَلَا يُعَاقِبُهُ بِهِ، فَتَكُونُ عُقُوبَتُهُ الْمُحَاسَبَةَ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّجْوَى،