[الْبَقَرَةِ: 284] ، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَظَنُّوا دُخُولَ هَذِهِ الْخَوَاطِرِ فِيهِ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا، وَفِيهَا قَوْلُهُ: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] [الْبَقَرَةِ: 286] فَبَيَّنَتْ أَنَّ مَا لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ، فَهُوَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ، وَلَا مُكَلَّفٍ بِهِ، وَقَدْ سَمَّى ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ نَسْخًا، وَمُرَادُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أَزَالَتِ الْإِبْهَامَ الْوَاقِعَ فِي النُّفُوسِ مِنَ الْآيَةِ الْأَوْلَى، وَبَيَّنَتْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الْأُولَى الْعَزَائِمُ الْمُصَمَّمُ عَلَيْهَا، وَمِثْلُ هَذَا كَانَ السَّلَفُ يُسَمُّونَهُ نَسْخًا.

الْقِسْمُ الثَّانِي: الْعَزَائِمُ الْمُصَمَّمَةُ الَّتِي تَقَعُ فِي النُّفُوسِ وَتَدُومُ، وَيُسَاكِنُهَا صَاحِبُهَا، فَهَذَا أَيْضًا نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ عَمَلًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، كَالشَّكِّ فِي الْوَحْدَانِيَّةِ، أَوِ النُّبُوَّةِ، أَوِ الْبَعْثِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، أَوِ اعْتِقَادِ تَكْذِيبِ ذَلِكَ، فَهَذَا كُلُّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَيَصِيرُ بِذَلِكَ كَافِرًا وَمُنَافِقًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284] [الْبَقَرَةِ: 284] ، عَلَى مِثْلِ هَذَا. وَرُوِيَ عَنْهُ حَمْلُهَا عَلَى كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] [الْبَقَرَةِ: 283] . وَيَلْحَقُ بِهَذَا الْقِسْمِ سَائِرُ الْمَعَاصِي الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقُلُوبِ، كَمَحَبَّةِ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ، وَبُغْضِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَالْكِبْرِ، وَالْعُجْبِ، وَالْحَسَدِ، وَسُوءِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ قَالَ فِي سُوءِ الظَّنِّ إِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ، فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَسَدِ، وَلَعَلَّ هَذَا مَحْمُولٌ مِنْ قَوْلِهِمَا عَلَى مَا يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ، وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ، فَهُوَ يَكْرَهُهُ وَيَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَا يَنْدَفِعُ إِلَّا عَلَى مَا يُسَاكِنُهُ، وَيَسْتَرْوِحُ إِلَيْهِ، وَيُعِيدُ حَدِيثَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015