لَعَمِلْتُ فِيهِ مَا عَمِلَ فُلَانٌ» يَعْنِي: الَّذِي يَعْصِي اللَّهَ فِي مَالِهِ، قَالَ: «فُهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ» . وَمِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ: يُعَاقَبُ عَلَى التَّكَلُّمِ بِمَا هَمَّ بِهِ مَا لَمْ تَكُنِ الْمَعْصِيَةُ الَّتِي هَمَّ بِهَا قَوْلًا مُحَرَّمًا، كَالْقَذْفِ وَالْغِيبَةِ وَالْكَذِبِ؛ فَأَمَّا مَا كَانَ مُتَعَلِّقُهَا الْعَمَلَ بِالْجَوَارِحِ، فَلَا يَأْثَمُ بِمُجَرَّدِ تَكَلُّمِ مَا هَمَّ بِهِ، وَهَذَا قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ: «وَإِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا» . وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ هُنَا حَدِيثُ النَّفْسِ، جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: «مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ» ، وَحَدِيثُ أَبِي كَبْشَةَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا، فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ بِلِسَانِهِ: «لَوْ أَنَّ لِي مَالًا، لَعَمِلْتُ فِيهِ بِالْمَعَاصِي، كَمَا عَمِلَ فُلَانٌ» ، لَيْسَ هُوَ الْعَمَلُ بِالْمَعْصِيَةِ الَّتِي هَمَّ بِهَا، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَمَّا هَمَّ بِهِ فَقَطْ مِمَّا مُتَعَلِّقُهُ إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي الْمَعَاصِي، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَيْضًا فَالْكَلَامُ بِذَلِكَ مُحَرَّمٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَعْفُوًّا عَنْهُ، غَيْرَ مُعَاقَبٍ عَلَيْهِ؟ وَأَمَّا إِنِ انْفَسَخَتْ نِيَّتُهُ، وَفَتَرَتْ عَزِيمَتُهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مِنْهُ، فَهَلْ يُعَاقَبُ عَلَى مَا هَمَّ بِهِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، أَمْ لَا؟ هَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْهَمُّ بِالْمَعْصِيَةِ خَاطِرًا خَطَرَ، وَلَمْ يُسَاكِنْهُ صَاحِبُهُ، وَلَمْ يَعْقِدْ قَلْبَهُ عَلَيْهِ، بَلْ كَرِهَهُ، وَنَفَرَ مِنْهُ، فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَهُوَ «كَالْوَسَاوِسِ الرَّدِيئَةِ الَّتِي سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا، فَقَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ» . وَلَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 284]