قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَدَعُ شَيْئًا صَنَعْتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا صَنَعْتُ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَسَنَاتِ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ يُثَابُ عَلَيْهَا» كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ سَيِّئَاتِهِ فِي الشِّرْكِ تُبَدَّلُ حَسَنَاتٍ، وَيُثَابُ عَلَيْهَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا - يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا - إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 68 - 70] [الْفَرْقَانِ 68 - 69 - 70] ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذَا التَّبْدِيلِ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ فِي الدُّنْيَا بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ يُبَدِّلُ مَنْ أَسْلَمَ وَتَابَ إِلَيْهِ، بَدَلَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي: الْإِيمَانُ وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي " غَرِيبِ الْحَدِيثِ " عَنْ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَسَمَّى مِنْهُمُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءً، وَقَتَادَةَ، وَالسُّدِّيَّ، وَعِكْرِمَةَ قُلْتُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْحَسَنِ.
قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو مَالِكٍ وَغَيْرُهُمَا: هِيَ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ خَاصَّةً لَيْسَ هِيَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ. قُلْتُ: إِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّبْدِيلُ فِي الْآخِرَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ فِي الدُّنْيَا، فَالْكَافِرُ إِذَا أَسْلَمَ وَالْمُسْلِمُ إِذَا تَابَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، بَلِ الْمُسْلِمُ إِذَا تَابَ، فَهُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ.
قَالَ: وَقَالَ آخَرُونَ: التَّبْدِيلُ فِي الْآخِرَةِ: جُعِلَتْ لَهُمْ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةٌ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، وَمَكْحُولٌ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: وَأَنْكَرَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَمُجَاهِدٌ، وَخَالِدٌ سَبَلَانُ، وَفِيهِ مَوْضِعُ إِنْكَارٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ