أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَنْ كَثُرَتْ سَيِّئَاتُهُ أَحْسَنُ حَالًا مِمَّنْ قَلَّتْ سَيِّئَاتُهُ حَيْثُ يُعْطِي مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ أَنْ يُبَدِّلَ السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ وَلَمْ يَذْكُرِ الْعَدَدَ كَيْفَ تُبَدَّلُ، فَيَجُوزُ أَنَّ مَعْنَى تُبَدَّلَ: أَنَّ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً وَاحِدَةً وَتَابَ مِنْهَا يُبَدِّلُهُ اللَّهُ مِائَةَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَنْ عَمِلَ أَلْفَ سَيِّئَةٍ أَنَّ تُبَدَّلَ أَلْفَ حَسَنَةٍ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مَنْ قَلَّتْ سَيِّئَاتُهُ أَحْسَنُ حَالًا.
قُلْتُ: هَذَا الْقَوْلُ - وَهُوَ التَّبْدِيلُ فِي الْآخِرَةِ - قَدْ أَنْكَرَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران: 30] (آلِ عِمْرَانَ: 30) وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] (الزَّلْزَلَةِ: 8) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] (الْكَهْفِ: 49) وَلَكِنْ قَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ التَّائِبَ يُوقَفُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ، ثُمَّ تُبَدَّلُ حَسَنَاتٍ، قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُؤْتَى كِتَابَهُ فِي سَتْرٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقْرَأُ سَيِّئَاتِهِ، فَإِذَا قَرَأَ تَغَيَّرَ لَهَا لَوْنُهُ حَتَّى يَمُرَّ بِحَسَنَاتِهِ، فَيَقْرَؤُهَا فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ لَوْنُهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِذَا سَيِّئَاتُهُ قَدْ بُدِّلَتْ حَسَنَاتٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] (الْحَاقَّةِ: 19)