56 - (خ م ط ت د) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما مِن مولودٍ (?) إلا يُولَدُ على الفِطْرةِ» ، ثم يقول: «اقرؤوا {فِطرةَ اللَّهِ التي فَطر الناس عَليها، لا تَبديلَ لخلق الله، ذلك الدِّينُ القَيِّمُ} [الروم: الآية 30] » كذا عند مسلم.
وزاد البخاري: فأبَواهُ يُهَوِّدانِهِ، أوْ يُنَصِّرانِهِ، أوْ يُمجِّسانِهِ، كما تُنْتَجُ البَهيمَةُ (?) بهيمةً جَمْعاءَ، هلْ تُحِسُّون فيها من جَدْعاءَ، ثم يقولُ أبو هريرة: -[269]- {فِطرةَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ} .
وزاد مسلم أيضًا من رواية أخرى.
وفي رواية لهما قال: «ما من مولود إلا يُولَدُ على الفطرةِ، فأبواه يُهَوِّدانِهِ ويُنَصِّرانه، كما تُنْتجون الإبل، فهل تَجدون فيها جَدْعاءَ، حتَّى تكونُوا أنتم تجدعونَها» قالوا: يا رسول الله، أفرأيت من يموت صغيرًا؟ قال: «الله أعلَمُ بما كانوا عاملين (?) » .
وفي أخرى لمسلم: «ما من مولودٍ إلا يُولَدُ على الفطرةِ، فأبواه يهودانه وينصِّرانه، ويشرِّكانه» . فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت لو مات قبل ذلك؟ قال: «الله أعلمُ بما كانوا عاملين» .
وفي أخرى: «ما من مولود يولدُ إلا وهو على المِلَّةِ» .
زاد في أخرى «على المِلة، حتى يُبيِّن عنه لسانُه» .
هذه هي طرقُ البخاري ومسلم (?) . -[270]-
ووافقهما الموطأ والترمذي وأبو داود نحو ذلك وبمعناه.
Sالفطرة: الخلقة، أراد بقوله: «كل مولود يولد على الفطرة» أي يولد على ابتداء الخلقة في علم الله تعالى مؤمنًا أو كافرًا، وقيل: يولد على الخلقة التي فُطر عليها في الرحم: من سعادة، أو شقاوة، فأبواه يهودانه، يعني في حكم الدنيا، وقيل: كل مولود يولد على الملة الإسلامية، والدين الحق، وإنما أبواه ينقلانه إلى دينهما، وقيل معناه: أن كل مولود من البشر إنما يولد في مبدإِ الخلقة، وأصل الجِبلة، على الفطرة السليمة، والطبع المتهيىء لقبول الدين الحق، فلو تُرك عليها لاستمر على لزومها، ولم يفارقها إلى غيرها؛ لأن هذا الدين الحق حسنه موجود في النفوس، وبِشْرُهُ في القُلوب، وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره لآفة من آفات الشر والتقليد، فلو سَلِمَ المولود من تلك الآفات لم يعتقد غيره، ثم تمثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم، والميل إلى أديانهم فيزِلُّون بذلك عن الفطرة السليمة.
الدين القيم: المستقيم الذي لا زَيغ فيه، ولا ميل عن الحق.
تُنْتَجُ: نُتِجَت الناقة تُنتَج، فهي منتوجة: إذا وَلَدَت.
جمعاء: الجمعاء من البهائم وغيرها: التي لم يذهب من بدنها شيء.
تُحِسُّون: أحْسَسْتُ بالشيء: إذا شعرت به وعلمته.
جدعاء: أي: هل ترون فيها من جدعاء؟ والجدعاء: المقطوعة الأذن -[271]- أو الأنف، أو الشَّفَة، أو اليد ونحو ذلك.
ومعنى هذا الحديث: أن المولود يولد على نوع من الجبلة، وهي فطرة الله تعالى، وكونه متهيئًا لقبول الحقيقة طبعًا وطوعًا، ولو خلَّته شياطين الإنس والجن وما يختار، لم يَخْتَر إلا إياها، وضرب لذلك - الجمعاء والجدعاء- مثلاً، يعني: أن البهيمة تُولد سوية الأطراف، سليمة من الجدع ونحوه، لولا الناس وتعرضهم إليها، لبقيت كما وُلدت سليمة.
وقوله: «الله أعلم بما كانوا عاملين» إشارة إلى تعلق المثوبة والعقوبة بالعمل.