ويمضي البوصيري قائلا:

لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل ... ولا أرقت لذكر البان والعلم (?)

فكيف تنكر حبا بعد ما شهدت ... به عليك عدول الدمع والسقم (?)

وأثبت الوجد خطى عبرة وضني ... مثل البهار على خديك والعنم (?)

نعم سرى طيف من أهوى فأرقنى ... والحب يعترض اللذات بالألم (?)

فهو في تساؤله يقيم الدليل تلو الدليل على ثبوت الحب ولو لم يكن هذا الحب لما سكب دمعا على أي أثر من الاثار ولا أصيب بالسهاد ولا عرف الندم، ولولا الشوق والوله لما هطل الدمع لمجرد ذكر الأطلال والديار وما الشوق هنا إلى الديار ولكنه الشوق إلى من سكن الديار، وهذا اعتراف واضحح بالحب، فهو لم يعد في حالته الطبيعية، بل هو مصاب بالأرق لتذكره طيف محبوبته وتألمه الدائم والشهود العدول القائمون عليه أربعة: خفقان قلبه، وسكب دمعه، ونحول جسمه، وانعقاد لسانه، فلا يجد الصب مهربا من الاعتراف، وقد لاح له طيف حبيبته فأرقه ولم يذق للنوم طعما عله يراه حقا، ولكن ذلك لم يتحقق وهو يجد لذة في هذا الحب، ولكنها لذة ممزوجة بالألم، فالبوصيري محروم من قرب محبوبته كما كان كعب بن زهير محروما من قرب سعاده.

ويقول:

يالائمى في الهوى العذري معذرة ... منى إليك ولو أنصفت لم تلم (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015