بدأ البوصيري قصيدته كغيره من الشعراء بمطلع غزلي جميل على عادة شعراء العرب، ملتزما العفة والاحتشام لمدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم فهو يقول:
أمن تذكر جيران بذى سلم ... مزجت دمعا جرى من مقلة بدم (?)
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة ... وأومض البرق في الظلماء من أضم (?)
فما لعينك ان قلت اكففا همتا ... وما لقلبك ان قلت استفق يهم (?)
فهو يتساءل في مطلع بردته المباركة عن أسباب انسياب دمعه- هل جرى هذا الدمع ممزوجا بدم من تذكر الديار والجيران بذي سلم؟ أم لوميض برق يضيء الظلماء، وهبوب ريح حبيبة من تلقاء كاظمة، حيث يقيم أحباؤه، وعندما يرى استنكار المخاطب لهذا القول يأخذه- بقوله- ان عينيك لا تطيعانك حينما تطلب منها الكف عن ذرف الدموع بل يزداد انهمار الدمع كما أن قلبك كلما طلبت منه أن يفيق من غرامه ازداد شوقا وهياما، فعينا الشاعر وقلبه في لهفة إلى الجيران وإلى تلك الحبيبة.
ويقول:
أيحسب الصب أن الحب منكتم ... ما بين منسجم ومضطرم (?)
ليؤكد أن الحب لا يمكن كتمانه ويفضح العاشق بالعلامات التي تظهر عليه من سقم وتحول واضطراب.