رسالته، التي بها كمال المؤمنين علما وعملا، وأخلاقا وآدابا، وبها زال عنهم كل شر وضرر، فبعثه الله من أنفسهم وأنفسهم وقبيلتهم، يعرفون نسبه أشرف الأنساب، وصدقه وأمانته وكماله الذي فاق به الأولين والآخرين، ناصحا لهم مشفقا، حريصا على هدايتهم.
{يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} [آل عمران: 164] فيعلمهم ألفاظها، ويشرح لهم معانيها، {وَيُزَكِّيهِمْ} [آل عمران: 164] أي: يطهرهم من الشرك والمعاصي والرذائل وسائر الخصال الذميمة، ويزكيهم أيضا أي: ينميهم، فيحثهم على الأخلاق الجميلة، فإن التزكية تتضمن هذين الأمرين: التطهير من المساوئ، والتنمية بالمحاسن؛ {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} [آل عمران: 164] وهو القرآن، {وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران: 164] وهي السنة.
فالكتاب والسنة بهما أكمل الله للرسول وأمته الدين، وبهما حصل العلم بأصول الدين وفروعه، وبهما حصلت جميع العلوم النافعة، وما يترتب عليها من الخيرات، وزوال الشرور، وبهما حصل العلم اليقيني بجميع الحقائق النافعة، وبهما الهداية والصلاح للبشر.
فمحمد صلى الله عليه وسلم هو الإمام الأعظم المعلم لهذين الأمرين، اللذين ينابيع العلوم كلها تتفجر من معينهما، فعلم صلى الله عليه وسلم أمته الكتاب والحكمة، وأوقفهم على حكم الأحكام وأسرارها، فكانت حياته كلها - أقواله وأفعاله وتقريراته وهديه، وأخلاقه الظاهرة والباطنة، وسيرته الكاملة المتنوعة في كل فن من الفنون - تعليما منه للمؤمنين، وشرحا للكتاب والحكمة، فجمع لهم بين تعليم الأحكام الأصولية والفروعية، وما به تدرك وتنال، والطرق التي تفضي إليها عقلا ونقلا وتفكيرا وتدبرا، واستخراجا للعلوم الكونية من