والحاصل أنه كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات، وتغلغل فكره في بدائع الكائنات، علم أنها خلقت للحق وبالحق، وأنها صحائف آيات، وكتب براهين ودلالات على جميع ما أخبر به عن نفسه ووحدانيته، وما أخبرت به الرسل من اليوم الآخر، وأنها مدبرات مسخرات، ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها، فتعرف أن العالم العلوي والسفلي كلهم إليه مفتقرون، وإليه صامدون، وأنه الغني بالذات عن جميع المخلوقات، فلا إله إلا هو، ولا رب سواه.
ولنقتصر على هذا الأنموذج من الآيات المتعلقة بالتوحيد، مع ما دخل في ضمنها من الإيمان بالجزاء والبعث، وبالرسل والكتب، وقد قرن الله ذلك بأدلته وبراهينه الموصلة إلى العلم التام، واليقين الراسخ، وبذلك يعلم أن هذه الأصول الثلاثة متلازمة: التوحيد والرسالة والمعاد، كما أن في ضمن الآيات المتعلقة بالجزاء شيئا كثيرا من متعلقات التوحيد والرسالة، فسبحان من جعل في كلامه الهدى والرشاد، وإصلاح العباد.
فصل 10 - {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164]
هذه المنة التي امتن الله بها على عباده المؤمنين أكبر المنن، بل هي أصلها؛ وهي الامتنان عليهم بهذا الرسول الكريم، الذي جمع الله به جميع المحاسن الموجودة في الرسل؛ ومن كماله العظيم هذه الآثار التي جعلها الله نتيجة