وأنه جعل للعباد من الشجر الأخضر نارا برهانا بينا على البعث.
وقوله: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [البقرة: 164] أي: نشر في أقطار الأرض من الدواب المتنوعة، وسخرها للآدميين ينتفعون بها من وجوه كثيرة، ومع هذا فهو قائم بأرزاقها، متكفل بأقواتها، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها.
وفي تصريف الرياح آيات عظيمة على وحدانية الله وتفرده بالكمال المطلق، فتارة تكون باردة وحارة وبين ذلك، وجنوبا وشمالا، ودبورا (أي: غربية) ، وبين ذلك، وتارة تثير السحاب، وتارة تؤلف بينه، وتارة تلقحه وتدره، وتارة تمزقه وتزيل ضرره، وتارة ترسل بالرحمة، وتارة ترسل بالعذاب، فمن الذي صرفها هذا التصريف، ورتب عليها من المنافع للعباد كثيرا إلا العزيز الحكيم، الرحيم اللطيف بعباده، المستحق للمحبة والثناء والشكر والحمد من الحقيقة؟
وفي تسخير السحاب بين السماء والأرض على خفته ولطافته يحمل الماء الكثير، فيسوقه الله إلى حيث يشاء، ويجعله حياة للبلاد والعباد، ويروي به التلول والوهاد، وينزله على الخلق وقت حاجتهم إليه، ويصرف عنهم ضرره، فينزله رحمة ولطفا، ويصرفه عناية وعطفا.
فما أعظم سلطانه وأغزر إحسانه وألطف امتنانه، أليس من أقبح القبيح وأظلم الظلم أن يتمتع العباد برزقه ويعيشوا ببره، وهم يستعينون بذلك على مساخطه ومعاصيه؟ ومع ذلك من كمال حلمه وعفوه وصفحه يوالي عليهم الإحسان، خيره إليهم على الدوام نازل، وشرهم إليه في كل وقت صاعد.