فهل هذه الأمور حصلت صدفة واتفاقا؟ أم استقل بعملها وخلق أسبابها هذا المخلوق الضعيف العاجز الذي خرج من بطن أمه لا يعلم شيئا، وليس له قدرة على شيء، ثم أعطاه خالقه القدرة وعلمه ما لم يكن يعلم؟ أم تقول: - والحق تقول -: بل المسخر لذلك الرب الواحد، العظيم العليم الحكيم القدير؛ الذي لا يعجزه شيء، ولا يمتنع عليه شيء، بل الأشياء كلها قد دانت لربوبيته، واستكانت لعظمته، وخضعت لجبروته؛ وغاية العبد الضعيف أن جعله الله جزءا من أجزاء الأسباب التي بها وجدت هذه الأمور العظام، فهذا يدل على رحمة الله وعنايته بعباده، ويدعو العباد إلى أن يعبدوه وحده لا شريك له، وينيبوا إليه في كل حال.
{وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ} [البقرة: 164] وهو المطر النازل من السحاب، {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة: 164] فأظهرت أنواع الأقوات وأصناف الأشجار والنباتات التي لا يمكن للعباد أن يعيشوا بدونها.
أليس ذلك برهانا على قدرة من أنزله وأخرج به ما أخرج، وعلى رحمته ولطفه بعباده، وشدة افتقار الخليقة إليه في كل أحوالهم، وهو يحدوهم إلى إخلاص الدين له والإنابة إليه، والقيام بعبوديته ظاهرا وباطنا؟
وكذلك هو دليل على إحياء الله للموتى كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت: 39]
وقد ذكر الله هذا البرهان على البعث في عدة آيات، كما ذكر ابتداء الخلق برهانا على إعادته، وكما ذكر كمال علمه وقدرته، وخلق السماوات والأرض،