(لمَانع هُوَ الحَدِيث) الدَّال على عدم فَسَاد صَوْم النَّاسِي كَونه صَائِما بِفَوَات رُكْنه (مَعَ وجود الْعلَّة وَالْمَانِع) تَخْصِيص الْعلَّة، يَقُول: تخلف الحكم (لعدمها) أَي الْعلَّة الْمَذْكُورَة (حكما) تَمْيِيز عَن نِسْبَة الْعَدَم إِلَى الضَّمِير، يَعْنِي أَن فَوَات الرُّكْن وَإِن كَانَ مَوْجُودا صُورَة لكنه مَعْدُوم حكما: أَي فِي حكم الْمَعْدُوم (لِأَن فعل النَّاسِي) وَهُوَ الْأكل وَالشرب (نسب إِلَى مُسْتَحقّ الصَّوْم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فِي جَوَاب من استفتاه عَن أكله وشربه نَاسِيا (إِنَّمَا أطعمك الله وسقاك) والمستحق هُوَ الله سُبْحَانَهُ، لِأَن الصَّوْم عبَادَة وَلَا يسْتَحق الْعِبَادَة إِلَّا هُوَ، وَإِنَّمَا قَالَ فعل النَّاسِي نسب إِلَيْهِ، مَعَ أَن فعله الطّعْم وَالشرب، والمنسوب إِلَيْهِ الْإِطْعَام، والسقي لِأَن مَدْلُول الحَدِيث بِحَسب سِيَاق كَلَام السَّائِل الظَّان فَسَاد الصَّوْم بِالْفِعْلِ الْمُضَاف إِلَى الصَّائِم المفوت ركن الصَّوْم سلب إِضَافَته إِلَى العَبْد، لِأَنَّهُ لَو لم يرد ذَلِك لم يَصح إِيرَاد هَذَا الْكَلَام فِي معرض التَّعْلِيل على عدم الْفساد فَإِن قلت كَيفَ يَصح سلب إِضَافَته إِلَيْهِ مَعَ أَنه صدر عَنهُ بِالْحَقِيقَةِ قلت هَذَا من قبيل قَوْله تَعَالَى - {وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى} - (فَكَانَ أكله كلا أكل) لإِسْقَاط إِضَافَته إِلَيْهِ ونسبته إِلَى من لَهُ الصَّوْم (فَبَقيَ الرُّكْن) وَهُوَ الْإِمْسَاك (حكما) وَإِن انْتَفَى صُورَة لعدم الِاعْتِدَاد بِمَا يُنَافِيهِ لما ذكر (والمصبوب فِي فِيهِ) المَاء (لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ) أَي فِي معنى النَّاسِي (إِذْ لَيْسَ) الصاب (مُضَافا إِلَى الْمُسْتَحق) للصَّوْم ليَكُون صبه بِمَنْزِلَة إطعامه سُبْحَانَهُ وَيصير شربه كلا شرب بِنِسْبَة فعل الشَّارِب إِلَيْهِ (فَلم يسْقط اعْتِبَاره) أَي اعْتِبَار الْمُفطر أَو فَوَات الرُّكْن فِي تَأْثِيره فِي فَسَاد الصَّوْم (بِخِلَاف) الصَّائِم (السَّاقِط فِي حلقه نَائِما مطر) فَإِنَّهُ لَا يفْسد صَوْمه (كَمَا هُوَ مُقْتَضى النّظر) فَإِن إِسْقَاط الْمَطَر سقى من الله تَعَالَى وَالنَّوْم أَدخل فِي الْمَقْصُود من النسْيَان، لِأَن النَّاسِي يُبَاشر الْفِعْل بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَاف النَّائِم، فإسقاط إِضَافَة الْفِعْل إِلَيْهِ ونسبته إِلَى الله تَعَالَى بِالطَّرِيقِ الأولى (وَلَا خَفَاء أَنه) أَي الْفَرْع الْمَذْكُور (غير مَا نَحن فِيهِ) من الْعلَّة بِمَعْنى الْبَاعِث الَّتِي شرع الحكم عِنْدهَا لحُصُول الْحِكْمَة على مَا مر تَفْصِيله فَإِن عدم الرُّكْن لَيْسَ من ذَلِك (فَظهر أَن حَقِيقَة الْمَانِع الْإِضَافَة إِلَى الْمُسْتَحق) وَقَوْلهمْ لمَانع هُوَ الحَدِيث مَبْنِيّ على الظَّاهِر، وَكَونه متضمنا للإضافة إِلَيْهِ فَإِن قلت: لم لَا يجوز أَن يكون الْمَانِع فِي الْحَقِيقَة نفس الحَدِيث لدلالته على عدم فَسَاد الصَّوْم المستلزم لعدم تَأْثِير الْعلَّة قلت قد علل فِي الحَدِيث عدم الْفساد بِالْإِضَافَة الْمَذْكُورَة فينسب الْمَنْع إِلَيْهِ (وَأما نقض الْحِكْمَة) الَّتِي شرع الحكم لحصولها (فَقَط بِأَن تُوجد الْحِكْمَة) لَعَلَّ وضع الظَّاهِر مَوضِع الْمُضمر، لِأَن لفظ نقض الْحِكْمَة صَار فِي عرف الْأُصُول بِمَنْزِلَة كلمة وَاحِدَة مَوْضُوعَة بِإِزَاءِ نوع من النَّقْض كنقض الْعلَّة، وَلَا يجوز إرجاع الضَّمِير إِلَى أَجزَاء الْكَلِمَة، فَلَا يَنْبَغِي إرجاعه إِلَى مَا هُوَ كجزئها