مثال ذلك: حديث جابر رضي الله عنه وأرضاه في حجة الوداع أنه قال: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة الظهر).
وجاء عن ابن عمر أيضاً في الصحيح أنه قال: (صلى الله عليه وسلم الظهر بمنى).
فهذا دليل خاص ظاهره أنه تعارض مع دليل آخر خاص، كيف صلى الظهر بمنى، وكيف صلاها بمكة، والمسافة بين مكة ومنى بعيدة؟ فكيف نجمع؟ بعض العلماء يرى أنه لا جمع بينهما، فيقدمون حديث جابر على حديث ابن عمر؛ لأن جابراً هو أعلم الناس بالمناسك، وأروى الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعض العلماء جمع بينهما، مثل الحافظ ابن حجر في الفتح، فقال: يجمع بينهما بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمكة ثم رجع فصلى بأصحابه الظهر بمنى، فيكون قد صلى الظهر صلى الظهر مرتين، المرة الأولى تكون فرضاً والمرة الثانية تكون نافلة له، فهذا جمع جمعه بعض العلماء، وهو أيضاً جمع طيب، ونقله الحافظ ابن حجر.
وإن لم يكن فيكون الناسخ والمنسوخ، وإن لم يكن فيكون الثالث وهو الترجيح.
مثلاً: حديث في الصحيحين يحتج به الأحناف، وهم حديث فيه وهم، وهو حديث ميمونة رضي الله عنها وأرضاها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال) يعني: ليس بمحرم، وهو حديث عضده حديث أبي رافع قال: كنت السفير بينهما.
وجاء في البخاري عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم)، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى المحرم أن يتزوج أو يزوج أو يخطب.
فكيف ذلك وميمونة تقول: تزوجني حلالاً، وابن عباس يقول: تزوجها محرماً، فكيف نجمع بينهما، ونحن لا نعرف المتقدم من المتأخر، وأيهما الراجح؟ حديث ميمونة يقدم على حديث ابن عباس لأكثر من وجه: الوجه الأول: الراوي أعلم بما روى، وهو أيضاً صاحب القصة، والقاعدة عند المحدثين: صاحب القصة يقدم على غير صاحب القصة، وصاحب القصة هي ميمونة، وأبو رافع هو السفير بينهما، فيقدم صاحب القصة على قول ابن عباس الذي ليس بصاحب القصة.
الثاني: أن كلام ابن عباس مبيح؛ لأنه يبيح للمحرم أن يتزوج، وهذا يوقع في إشكالية الحديث الحاظر، وهو: نهى النبي صلى الله عليه وسلم للمحرم أن ينكح، وحديث ميمونة لم يقع له إشكال مع أي أحاديث أخرى، فهو متفق مع النهي عن الزواج للمحرم.
إذاً: نرجح أحاديث ميمونة على حديث ابن عباس.