أن يكون بين دليلين عامين، فإذا أمكن الجمع فهو الأولى، وإن لم يمكن أبحث عن المتقدم والمتأخر بالنص، وإذا لم يمكن وجب الترجيح.
مثال لإمكانية الجمع: قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] هنا الله جل وعلا نفى عن النبي الهداية، وفي آية أخرى قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52].
الجمع: أن الهداية هدايتان: هداية عامة، وهداية خاصة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أقره الله على الهداية العامة، وهي: هداية البيان والدلالة والإرشاد {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت:17] أي: بينا لهم، {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت:17].
وأما الهداية الخاصة: فهي لله، وهي هداية القلوب، وهذه هي المنفية عن رسوله صلى عليه وسلم.
إذاً: نقول: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] هداية عامة، وهي: هداية البيان والدلالة والإرشاد، {إِنَّكَ لا تَهْدِي} [القصص:56] هداية القلوب؛ لأن هداية القلوب لله جل وعلا.
الثاني: ما لا يمكن الجمع بينهما، يعني: دليل عام عارض دليل آخر عام، ولا يمكن الجمع بينهما، فنبحث عن المخصص، كما في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183] إلى أن قال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184] ثم قال: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:184] إذاً: هو على التخيير: إما أن يطعم أو يصوم {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:184] خير لكم الصيام، ثم الآية التي تلتها فيها تحديد للزمن، الآية الأولى متأخرة، قال الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185] فهذا الأمر نسخ التخيير، أي: لابد أنك تصوم، ونسخ التخيير بين أن يطعم أو يصوم، قال الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185] فنسخ التخيير، فلا الدليل العام الأول يعارض الدليل العام الثاني، ولم نعرف الجمع بينهما، فقلنا: المتأخر ينسخ المتقدم.
الثالث: مثال الترجيح، يعني: ما عرفنا كيف نجمع، وما عرفنا الناسخ من المنسوخ، فنحن نرجح، هذا أيضاً في ما ظاهره التعارض بين عام وعام.
مثلاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مس ذكره فليتوضأ) هذا عام.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: أيمس أحدنا ذكره؟ فقال: (إنما هو بضعة منك).
وهذا يمثل به البعض على الترجيح، وإن كان الصواب هو الجمع، فالجمع فقهياً هو: قوله: (من مس ذكره فليتوضأ) إذا كان بإفضاء دون حائل، (وإنما هو بضعة منك) إن كان بوجود حائل.
أما على الترجيح: قالوا: نقدم الحاظر على المبيح، فنقدم قوله: (من مس ذكره فليتوضأ)، على قوله: (إنما هو بضعة منك).
والمحدثون يقولون: إذا تعارض الحديثان حديثياً نقول: ما كان متفقاً عليه يقدم على ما انفرد به أحدهما، وما انفرد به البخاري يقدم على ما انفرد به مسلم، وما انفرد به مسلم يقدم على ما كان على شرطهما، وما كان على شرط البخاري يقدم على ما كان على شرط مسلم، وما كان على شرط مسلم يقدم على السنن بعد ذلك، هذا هو الترتيب.