إذا لم يتمكن العلماء من إزالة التعارض بالجمع أو النسخ أو الترجيح، فإنهم يبحثون عن دليل مستقل، وإن لم يجدوا فلهم التوقف، فلا يعملون بهذا الدليل، ولا بذاك.
Q لماذا نقدم الجمع على النسخ والترجيح؟ القاعدة التي قعدها العلماء: إعمال الدليلين أولى من إعمال أحدهما، ومن طرق الترجيح: المثبت يقدم على النافي، والأخذ بالزيادة، فالذي معه زيادة علم نأخذ منه، لكن لا بد أن تكون هذه الزيادة غير مخالفة.
مثال ذلك: الشافعية يرون أن من السنة أن يشير المصلي في التشهد بأصبعه إلى القبلة دون تحريك، لكن حديث زائدة بن قدامة قال فيه: (يشير بها يحركها) ففيه زيادة علم وهو التحريك، فننظر في التحريك هل يخالف الإشارة؟ إذا قال الرجل: تعال هنا، قالوا: أشار بيده أن تعال، فهذه إشارة فيها تحريك، إذاً التحريك لا يخالف الإشارة، وهو زيادة علم فنأخذ بها، فنقول: يشير يحركها.
أيضاً: يمثل بعض العلماء بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يمس القرآن إلا طاهر).
قال أبو داود: حتى لو وجدت زيادة علم فنأخذ بالمعنى الأفضل، وهو يشمل كل المعاني، هنا: (لا يمس القرآن إلا الطاهر)، فيمكن أن يحتمل أنه طاهر بإسلامه، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي هريرة: (سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس) وهو في الصحيحين.
أيضاً: ممكن أن يحتمل أن يكون طاهراً من الجنابة، أو أن يكون طاهراً بالوضوء، فأيهما أشمل في المعنى؟ بالوضوء.
فنقول: نأخذ بالأشمل في المعنى؛ لأنه سيضم كل هذه المعاني، يعني: من باب أولى أنه غير جنب، ومن باب أولى أنه مسلم.
إذاً: يشمل كل المعاني، فنقول: قطعاً لا يمس القرآن إلا طاهر، يعني: لا يجوز لأحد غير متوضئ أن يمس القرآن، وهذا هو الصحيح الراجح.
وأخيراً: أن تأخذ في الترجيحات بالحيطة، فتحتاط لدينك، فإذا جاءك حاظر ومبيح، فأنت تحتاط لدينك فتقدم الحاظر على المبيح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، وقوله: (من ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه).