التخصيص بالغاية هو: نهاية الشيء المقتضية ثبوت الحكم لما قبلها وانتفائها عما بعدها، أي: أن الحكم بعد الغاية منتف وقبل الغاية ثابت.
مثال ذلك قال الله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6]، أي: أن الوجوب إلى المرافق، فما تحت المرفق واجب، أما العضد فليس بواجب.
إذاً: ما بعد الغاية ليس بواجب، وما قبل الغاية واجب، فثبت الحكم فيما قبل الغاية وينتفي فيما بعد الغاية.
مثال آخر: قال الله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة:196] عام، ثم قال الله تعالى مبيناً لنا الغاية حتى نخصص بها: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196]، أي: لا تحلق رأسك أبداً وأنت في الحج، وإلا فعليك الدم والفدية إن حلقت أو قصرت، وهذا على العموم والإطلاق، وقد خصصه الله في غاية معينة فقال: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] أي: لك يوم النحر الأكبر أن تحلق رأسك.
وأيضاً يقال في مسألة الذين أحصروا، هل يحلق المحصر قبل أن يصل إلى المحل أم لا؟ نقول: هذا مقيد ومخصص للغاية: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}.
مثال آخر أيضاً: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ} [البقرة:222] أي: لا يمكن لك أن تقرب الحائض، ثم خصص فقال: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة:222] أي: حتى ينقطع الدم، وهذا خلاف فقهي بين العلماء، فالجمهور يرون: أنه لا يجوز أن يجامعها بعد انقطاع الدم حتى تغتسل، وأما الأحناف وهو ترجيح الألباني فيرون: أنه يمكن أن يأتيها قبل أن تغتسل إذا انقطع الدم، وهذا الكلام ضعيف مرجوح.
مثال آخر: قال تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة:187]، أي: تتم الصيام إلى نصف النهار، إلى آخر النهار، إلى الليل، إلى اليوم الثاني، هذا معنى: ((ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ))؛ لأن إتمام الصيام ليس له غاية، فقيده الله وخصصه بغاية فقال: {إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187]، ويعرف الليل بسقوط حاجب الشمس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم)، فهذا أيضاً تقييد بالغاية، يعني: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.