شروط اعتبار العرف في الأمور الدنيوية

هناك أعراف دنيوية وأعرف دينية، والفارق بينهما: أن الأعراف الدينية جاء النص بها، ولكنه أطلقها في بعض المواضع.

الأعراف الدنيوية أقوال وأفعال، وحتى تعتبر هذه الأعراف لا بد لها من قيود: القيد الأول: ألا يخالف دليلاً شرعياً؛ لأن هناك كثير من الناس يقعون في مسائل ولا يعرفون هل فيها سعة من الشرع أو تضييقاً من الشرع؟ فلا بد لكي يكون العرف معتبراً في المجتمع -مجتمع الإسكندرية مثلاً- مأخوذاً به: ألا يخالف دليلاً شرعياً.

القيد الثاني: ألا يؤدي إلى مفسدة.

القيد الثالث: أن يفضي إلى مصلحة راجحة.

فقولنا: (ألا يخالف دليلاً شرعياً) خرج به: أعراف الجاهلية، كالاستبضاع، وهو: أن تذهب المرأة لأكثر من واحد، فتذهب إلى عظيم القبيلة الفلانية فيطؤها، وتذهب إلى عظيم القبيلة الفلانية الآخر فيطؤها، وهذا ما يسمى بـ (تشريف النسب)، فجاء الشارع وألغى هذا، واعتبره سفاحاً لا يجوز.

أيضاً: كانوا يتعاملون بنكاح المتعة، ثم جاء الشرع فألغاه.

كذلك: كانوا يتعاملون بربا الفضل، وهو: أن يكون الدرهم بدرهمين، والدرهمين بثلاثة، وقد كان هذا في أول الإسلام مباحاً، ثم نسخ على الراجح، وهو الذي تمسك به ابن عباس، والمقصود: أن الشرع جاء فألغاه.

فهذه بعض الأمور التي كانت أعرافاً في الجاهلية فألغاها الشرع، وهناك أعراف أخرى جاء الشارع فأقرها مثل: الدية على العاقلة، فقد كان معروفاً أن الدية على كل الأقرباء من عصبة أو ولاء، وكل هؤلاء يدفعون الدية، أي: أن الدية على العاقلة، فجاء الشرع فأقرها.

وأيضاً: المضاربة، فقد كانت معروفة قبل الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضارب بمال خديجة رضي الله عنها وأرضاها، فجاء الشرع فأقر هذا العرف.

وأما بالنسبة للقيد الثاني وهو: ألا يؤدي إلى مفسدة، فلو قلنا -على سبيل المثال- بأن الراجح أن الفخذ ليس بعورة كما بينا فقهياً، وكان في عرف المجتهد: أن كل الشباب يمشون في الساحة بالشورت، وهو: البنطلون القصير، فلا نقول: إن العرف هنا يحكم أو العادة محكمة؛ لأنه سيؤدي إلى مفسدة، وهي: فتنة النساء بهؤلاء الرجال، وكذا لا يعني العرف: أن كل إنسان حر ما لم يضر؛ لأنه سيضر وسيؤدي إلى مفسدة، فالعرف لو أدى إلى مفسدة لا بد أن يلغى.

وأيضاً: لا بد أن يؤدي العرف إلى مصالح.

ومثال ذلك: بيع السلم والمضاربة كما سنبين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015