وأعظمهم، فلما رآه أبرهة أجلّه وأكرمه عن أن يجلسه تحته، وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه، فنزل أبرهة عن سريره فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه، ثم قال لترجمانه: قل له ما حاجتك؟ فقال: حاجتي أن يردّ عليّ الملك مائتي بعير أصابها لي. فلما قال له ذلك. قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلَّمتني، أتكلّمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتًا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلّمني فيه؟ قال له عبد المطلب: إني أنا ربّ الإِبل، وإن للبيت ربًّا سيمنعه. قال: ما كان لمتنع منّي، قال: أنت وذاك. فردّ أبرهة على عبد المطّلب الإِبل التي أصاب له.
فلما انصرف عبد المطلب إلى قريش أخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة، والتحرزّ في شعف الجبال والشعاب، تخوّفًا عليهم من معرّة الجيش، ثم قام عبد المطّلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله، ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:
لاهمّ إن العبد يمنع ... رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم أبدًا محالك
إن كنت تاركهم وقبلتنا ... فأمر ما بدالك
ثم أرسل عبد المطّلب حلقة باب الكعبة، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال، فتحرّزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكّة إذا دخلها ; فلما أصبح أبرهة تهيّأ لدخول مكّة وهيّأ فيله وعبّأ جيشه - وكان اسم الفيل محمودًا -، وأبرهة مجمع لهدم البيت، ثم الانصراف إلى اليمن. فلما وجّهوا الفيل إلى مكّة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنب الفيل، ثم أخذ بأذنه فقال: أبرك محمود وارجع راشدًا فإنك في بلد الله الحرام. ثم أرسل أذنه فبرك الفيل وخرج نفيل بن حبيب يشتدّ حتى أصعد في الجبل. وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى، فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فنزعوه بها ليقوم فأبى، فوجّهوه