فلما نزل أبرهة المغمّس بعث رجلاً من الحبشة على خيل له حتى انتهى إلى مكّة، فساق إليه أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم، وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم - وهو يومئذٍ كبير قريش وسيّدها - فهمّت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم بقتاله، ثم عرفوا
أنهم لا طاقة لهم به فتركوا ذلك، وبعث أبرهة حناطة الحميريّ إلى مكّة وقال له: سل عن سيّد أهل هذا البلد وشريفها ثم قل له: إن الملك يقول لك: إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم ترضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم، فإن هو لم يرد حربي فأتني به. فلما دخل حناطة مكّة، سأل عن سيّد قريش وشريفها فقيل له: عبد المطلب بن هاشم، فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة، فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخلّ بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه. فقال حناطة: فانطلق معي إليه فإنه قد أمرني أن آتيه بك.
فانطلق معه عبد المطلب ومعه بعض بنيه، حتى أتى العسكر، فسأل عن ذي نفر - وكان له صديقًا - حتى دخل عليه وهو في محبسه فقال له: يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا؟ فقال له ذو نفر: وما غناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله غدوًّا أو عشيًّا؟ ما عندنا غناء في شيء مما نزل بك، إلا أن أنيسًا سائس الفيل صديق لي، وسأرسل إليه فأوصيه بك وأعظم عليه حقّك، وأساله أن يستأذن لك على الملك، فتكلّمه بما بدا لك، ويشفع لك عنده بخير، إن قدر على ذلك. فقال: حسبي، فبعث ذو نفر إلى أنيس فقال له: إن عبد المطلب سيّد قريش وصاحب عير مكّة، يطعم الناس بالسهل والوحوش في رؤوس الجبال،
وقد أصاب له الملك مائتي بعير، فاستأذن له عليه، وانفعه عنده بما استطعت. فقال: أفعل.
فكلّم أنيس أبرهة فأذن له، وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم