راجعًا إلى اليمن فقام يهرول، ووجّهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجّهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجّهوه إلى مكّة فبرك؛ فأرسل الله تعالى عليهم طيرًا من البحر، أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كلّ طائر منها ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره، وحجران في رجليه أمثال الحمص، والعدس، لا تصيب منهم أحدًا إلا هلك، وليس كلّهم أصابت؛ وخرجوا هاربين يتبدرون الطريق الذي منه جاءوا، ويسألون عن نفيل بن حبيب، ليدلّهم على الطريق إلى اليمن، فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته:
أين المفرّ والإِله الطالب ... والأشرم المغلوب ليس الغالب
وقال أيضًا:
ألا حُيّيت عنا يا رُدَيْنَا ... نَعِمْناكُمْ مع الإِصباح عَيْنا
أتانا قابس منكم عشاء ... فلم يقدر لقابسكم لَدينا
رُدَيْنَةُ لو رأيت ولا تريه ... لدى جَنْب المحصّب ما رأينا
إذًا لعذرتِني وحمدتِ أمري ... ولم تأسَيْ على ما فات بينا
حمدتُ الله إذا أبصرت طيرًا ... وخفت حجارة تلقى علينا
وكلِّ القوم يسأل عن نفيل ... كأنّ عليّ للحبشان دَيْنا
فخرجوا يتساقطون بكلّ طريق ويهلكون بكل مهلك على كلّ منهل وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم يسقط أنامله أنملة أنملة، كلّما سقطت أنملة أتبعتها منه مدّة تمثّ قيحًا ودمَا، حتى قدموا به صنعاء، وهو مثل فرخ الطائر، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه. فلما بعث الله تعالى محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، كان مما يعدّ الله على قريش من نعمته عليهم وفضله ما ردّ عنهم من أمر الحبشة، فقال الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} . وقال: {لِإِيلَافِ