وهذه العقيدة متميزة على سائر ما ألفه -رحمه الله- فكثير من مؤلفاته في مسائل الاعتقاد مشتمل على ذكر شبهات المفترين، ومناقشتها مناقشة عقلية وشرعية، كما هو ظاهر في "الرسالة التدمرية".
أما العقيدة الواسطية فإنها خالصة، فيها تقرير لمعتقَد أهل السنة والجماعة وبيان أصولهم، مع التدليل على ذلك من القرآن والسنة، من غير تعرض لشبهات المخالفين؛ فلذلك كانت هذه العقيدة جديرة بالحفظ.
وقد عرض فيها ـ رحمه الله ـ لأكثر المسائل التي وقع فيها الافتراق، والتي خالف فيها أهل السنة سائر فرق الأمة.
يقول -رحمه الله- في خطبة هذه العقيدة:
"الحمد لله الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا" هذا الثناء مقتبس من القرآن كما في سورة الفتح: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [(28) سورة الفتح].
والهدى هو: العلم النافع، ودين الحق هو: العمل الصالح، وهذا جماع رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
"وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ": كفى به مطلعا على عباده، وأحوالهم الظاهرة والباطنة.
وفي هذا إشارة إلى دليل من أدلة صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن الإيمان باطلاعه تعالى على أحوال الخلق يستلزم الإيمان بصدق محمد - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [(53) سورة فصلت]
فكفى دليلا على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وصدق ما جاء به من القرآن والحكمة، أنه تعالى على كل شيء شهيد {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}.