المعية لا تقتضي اختلاطا، ولا حلولا، فاللغة لا توجبه، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، فالذين لم يفهموا من معيته تعالى لعباده إلا أنه مختلط بهم حال فيهم حتى قالوا: إنه في كل مكان! هؤلاء خارجون عن موجب اللغة، مخالفون لما أجمع عليه سلف الأمة، ومخالفون لما تقتضيه الفطرة السوية.
ومعية المخلوق للمخلوق لا تقتضي اختلاطا وحلولا، ومثاله: هذا القمر، فوق حيث شاء ـ سبحانه وتعالى ـ وبعيد عن الأرض، ويقال: إنه معنا مع المسافر وغير المسافر، وهو في مكانه، فإذا كانت معية المخلوق للمخلوق لا تقتضي اختلاطا، فكيف بمعية الخالق للمخلوق؟!
يجب أن يعلم أن ما وصف الله به نفسه من علوه ومعيته، وفوقيته ومعيته أن كل ذلك حق على حقيقته.
الله تعالى مستو على عرشه حقيقة، عال على خلقه حقيقة، وهو معنا حقيقة، وليس في قولنا: إنه معنا حقيقة ما يتضمن الحلول، هو معنا حقيقة على ما يليق به، ويناسبه ويختص به، فهو حق على حقيقته.
يقول الشيخ: "لا يحتاج إلى تحريف وصرف له عن ظاهره" الله تعالى نفسه معنا، وهو فوق سماواته مستو على عرشه، وهو سبحانه معنا يرانا، ويسمعنا، وعلمه محيط بنا {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [(7) سورة المجادلة].
يقول المؤلف: " ولكن يصان عن الظنون الكاذبة " ما يُثبت لله من الفوقية ـ من كونه في السماء ـ يجب أن يصان عن الظنون الكاذبة، مثل: أن يظن أن مَعْنى أنه الله في السماء: في داخل السماء تقله، وتحمله، والسماء الأخرى تظله تعالى الله، فهذا ظن كاذب، وسوء ظن بالله، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، فإن أهل السنة والجماعة مجمعون على أن معنى في السماء يعني في العلو فوق جميع المخلوقات، فهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء.