والمراد بالعرش في هذه الآيات عرش الرحمن، وهو سرير مخلوق، وهو أعلى المخلوقات، وأعظمها، ولا يقدُر قدره إلا الله، ولا يحيط العباد بعظمة هذا العرش، وقد وصف الله العرش بأنه: عظيم {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [(26) سورة النمل]، وكريم {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [(116) سورة المؤمنون]، ومجيد {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ} [(15) سورة البروج] (?).
وفي هذه الآيات التي ساقها المؤلف أخبر الله فيها عن استوائه على العرش، ومعناه كما جاء ذلك عن السلف (?): علا، وارتفع، واستقر على العرش.
استوى سبحانه على العرش استواء يليق به، ويخصه، لا يشبه استواء المخلوقِ.
هل المخلوقُ يوصف بالاستواء على غيره؟ نعم {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ} [(13) سورة الزخرف] {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [(28) سورة المؤمنون]، واستوت سفينة نوح {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [(44) سورة هود]، وليس الاستواء كالاستواء؛ فاستواء الله على عرشه ليس كاستواء المخلوق بل استواء يخصه، ويليق به، ويناسبه، ولا يعلم العباد كنهه، فيجب أن يثبت ذلك لله مع نفي مماثلته لصفة المخلوق، ونفي العلم بالكيفية، لكن الاستواء معناه معلوم كما قال الأئمة، قال الإمام مالك لما قال له رجل: كيف استوى؟ قال: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" (?).