يقول الله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فقد بين سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة الحكمة في خلق الجن والإنس وهي أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، ومن المعلوم أن من عبد الله ولكن عَبَدَ معه غيره أنه لم يعبد الله وحده بل أشرك معه في عبادته، فالإشراك في عبادة الله مفسدة لها كما يفسد الحدث الطهارة. فإن الله سبحانه وتعالى أمر بعبادته وحده ولذلك يقول ابن عباس كل ما ورد في القرآن "اعبدون" فالمراد وحِّدون، والتوحيد هو إفراد الله بالعبادة وهو معنى كلمة الإخلاص لا إله إلا الله، فإن لا نافية للجنس، فقد نفت جنس الإله أن يكون أحد منهم يستحق التأله بحق أو يصرف شيء من العبادة له، ثم أثبت بقوله إلا الله العبادة لله وحده لا شريك له في ألوهيته كما أنه ليس له شريك في ربوبيته وهذا هو قول الخليل عليه السلام (إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين) فاستثنى من المعبودين ربه وتبرأ مما سواه فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لانفصام لها، وهذا المعنى في القرآن والسنة كثيرجدا وهو حقيقة ما دعت الرسل إليه أممهم قال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) ، (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) إذا عرفت هذا علمت أن من صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله فقد أشرك بالله والشرك مبطل للعمل فمن أنواع العبادة التي أمر الله بها ولا يجوز صرفها لغيره الدعاء والاستعانة والاستغاثة والذبح والنذر والخوف والرجاء والتوكل والإنابة والمحبة والخشية والرغبة والرهبة والتأله والخشوع.
فمن دعا أحدا غير الله من الرسل أو الأنبياء أو الأولياء أو الصالحين أو غيرهم من سائر المخلوقات. فقد أشرك بالله ودخل في وعيد الله بقوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) قال تعالى: (ادعوني أستجب لكم) الآية فقد سمى الله الدعاء عبادة بل هو العبادة كما في الحديث الصحيح. ونهى سبحانه أن يدعى معه أحد كائنا من كان. قال تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) وكذلك من ذبح لغير الله فقد أشرك في عبادة الله غيره قال الله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) وقد فسر العلماء النسك بالذبح. وكذلك النذر لا يجوز أن ينذر لغير الله ومن نذر لغير الله حرم عليه الوفاء به. وإنما الذي يجب الوفاء به هو إذا كان لله كما قال تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) ويقول تعالى: (أن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) ، (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) ، (فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) ، (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) ، (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) ، (أنيبوا إلى ربكم وأسلموا له) ، (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله) ، (فلا تخشوا الناس واخشوني) ، (إنهم كانوا يدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) ، (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) .
إذا عرفت حقيقة التوحيد وما دعت إليه الرسل أممهم علمت أن من فعل ما نهى الله عنه أو رسوله أو ترك شيئا مما أمر الله به ورسوله فقد حصل عليه من الخلل والنقص في دينه بحسب ما فعل من المنهي عنه أو بحسب ما ترك من المأمور به فقد يخرج من الإسلام وهو لا يشعر وقد ينقص توحيده وهو لا يعلم ومن ذلك ما يفعله بعض المنتسبين للإسلام من دعاء الأموات والغائبين ممن لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فضلا عن أن يملك ذلك لغيره وسواء كان المدعو رسولا أو نبيا أو مَلَكا أو وليا أو شمسا أو قمرا أوغير ذلك من سائر المخلوقات. وإن كان الداعي يعلم أن الله هو الخالق الرازق وأن بيده الأمر كله ولكنه يطلب ممن يدعو أن يشفع له عند الله فإن ذلك مناف للتوحيد كما قال تعالى: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) .