وَمن أَمْثِلَة ذَلِك حَدِيث الْإِفْك فِي الصَّحِيح من رِوَايَة الزُّهْرِيّ فَإِنَّهُ قَالَ حَدثنِي عُرْوَة وَسَعِيد بن الْمسيب وعلقمة بن وَقاص وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن عَائِشَة قَالَ وكل قد حَدثنِي طَائِفَة من حَدِيثهَا وَدخل حَدِيث بَعضهم فِي بعض وَأَنا أوعى لحَدِيث بَعضهم من بعض فَذكر الحَدِيث
وَمَا من شَيْء من ذَلِك الحَدِيث الْمَرْوِيّ على تِلْكَ الصّفة إِلَّا وَهُوَ فِي الحكم كَأَنَّهُ رَوَاهُ عَن أحد الرجلَيْن على الْإِبْهَام حَتَّى إِذا كَانَ أَحدهمَا مجروحا لم يجز الِاحْتِجَاج بِشَيْء من ذَلِك الحَدِيث لِأَنَّهُ مَا قطعه مِنْهُ إِلَّا وَيجوز أَن تكون عَن ذَلِك الرَّاوِي الْمَجْرُوح وَلَا يجوز لأحد بعد اخْتِلَاط ذَلِك أَن يسْقط ذكر أحد الراويين ويروي الحَدِيث عَن الآخر وَحده بل يجب ذكرهمَا جَمِيعًا مَقْرُونا بالإفصاح
وَكَثِيرًا مَا يسْتَعْمل التلفيق أَرْبَاب الْمَغَازِي وَالسير
وَقد انتقدوا التلفيق على الزُّهْرِيّ وَهُوَ أول من فعل ذَلِك فَقَالُوا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يفرد حَدِيث كل وَاحِد مِنْهُم عَن الآخر وَالْأَمر فِيهِ سهل إِذا كَانَ الْكل ثِقَات
وَأما مَا عيب بِهِ البُخَارِيّ فَلَيْسَ بِعَيْب عِنْد الْجُمْهُور الَّذِي يُجِيز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى هَذَا عبد الله بن وهب لم يتَأَخَّر البُخَارِيّ وَلَا غَيره من الْأَئِمَّة عَن التَّخْرِيج لَهُ مَعَ كَونه كَانَ يفعل ذَلِك وَأما حَمَّاد فَإِن البُخَارِيّ لم يتْرك الِاحْتِجَاج بِهِ لكَونه كَانَ يفعل ذَلِك بل لكَونه قد سَاءَ حفظه وَلذَا لم يخرج لَهُ فِي الْأُصُول وَاقْتصر مُسلم فِيمَا قَالَه الْحَاكِم على رِوَايَته عَن ثَابت مَعَ أَنه كَانَ من الْأَئِمَّة الْأَثْبَات الموصوفين بِأَنَّهُم بلغُوا دَرَجَة الأبدال فتفريق البُخَارِيّ بَينه وَبَين ابْن وهب إِنَّمَا يرجع لما يتَعَلَّق بالإتقان وَالْحِفْظ فَإِن ابْن وهب كَانَ أَشد إتقانا لما يرويهِ وأحفظ
وَمَا قيل من أَن البُخَارِيّ كَانَ لَا يعرج على الْبَيَان وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ هُوَ مَبْنِيّ على الْغَالِب وَإِلَّا فقد عرج على الْبَيَان فِي بعض الأحيان كَقَوْلِه فِي تَفْسِير الْبَقَرَة حَدثنَا يُوسُف بن رَاشد حَدثنَا جرير وَأَبُو أُسَامَة وَاللَّفْظ لجرير فَذكر حَدِيثا
وَفِي الصَّيْد والذبائح حَدثنَا يُوسُف بن رَاشد أخبرنَا وَكِيع وَيزِيد بن هَارُون وَاللَّفْظ ليزِيد
وَقد رَأَيْت هُنَا أَن أستطرد لأَرْبَع مسَائِل