كَآفَّةً} (الْبَقَرَة: 208) ، قَالَ: كافّة بِمَعْنى الْجَمِيع والإحاطة، فَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: ادخُلُوا فِي السّلم كلِّه، أَي: فِي جَمِيع شرائعه.
قَالَ: وَمعنى كافّة فِي اشتقاق اللُّغَة يكفُّ الشيءَ فِي آخِره. وَمن ذَلِك كُفّة الْقَمِيص: وَهِي حَاشِيَته، وكلُّ مستطيلٍ فحرفه كُفَّة، وكل مستديرٍ كِفّة، نَحْو كِفّة الْمِيزَان.
قَالَ: وسمّيت كُفّة الثَّوْب لِأَنَّهَا تَمنعهُ أَن تَنْتَشِر، وأصل الكفّ المَنْع، وَلِهَذَا قيل لطرف الْيَد كفٌّ لِأَنَّهَا يُكَفّ بهَا عَن سَائِر الْبدن، وَهِي الراحةُ مَعَ الْأَصَابِع. وَمن هَذَا قيل: رجل مكفوفٌ، أَي: قد كُفَّ بَصَره من أَن ينظر. فَمَعْنَى الْآيَة: ابلغوا فِي الْإِسْلَام إِلَى حَيْثُ تَنْتَهِي شرائعه فتكَفُّوا من أَن تَعْدوا شرائعه وادخلوا كلكُمْ حتّى يُكَفَّ عَن عددٍ وَاحِد لم يدْخل فِيهِ.
وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً} (التَّوْبَة: 36) : كافّة مَنْصُوب على الْحَال، وَهُوَ مصدرٌ على فاعلة، كالعافية وَالْعَاقبَة، وَهُوَ فِي مَوضِع قاتِلوا المشركينَ محيطين بهم. وَلَا يجوز أَن يثنى وَلَا يجمع، لَا يُقَال قاتلوهم كافّاتٍ وَلَا كافّين، كَمَا أَنَّك إِذا قلت قاتِلْهم عامّة لم تثن وَلم تَجمع. وَكَذَلِكَ خَاصَّة، وَهَذَا مَذْهَب النّحويين. وأكافيف الجبَل: حُيوده.
قَالَ:
مسحنفِراً من جبال الرُّوم تستره
مِنْهَا أكافيفُ فِيمَا دونَها زَوَرُ
يصف الفُراتَ وجرْيَه فِي بِلَاد الرُّوم المطلَّة عَلَيْهَا حَتَّى يشقَّ بِلَاد الْعرَاق.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال للبعير إِذا كبِر وقصُرت أَسْنَانه حَتَّى تكَاد تذْهب: بَعيرٌ كافٌّ. وَكَذَلِكَ الْأُنْثَى بِغَيْر هَاء، وَقد كُفَّتْ أسنانها، فَإِذا ارْتَفع عَن ذَلِك فَهُوَ ماجّ. ورجلٌ مكفوف، أَي: أعمى. وَقد كُفَّ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: كُفّ بَصَره وكَفَّ.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال فلانٌ لَحْمه كَفَافٌ لأديمه: إِذا امْتَلَأَ جلدُه من لَحْمه.
وَقَالَ النمر بن تولب:
فضولٌ أَرَاهَا فِي أديمي بَعْدَمَا
يكون كَفَافُ اللَّحمِ أَو هُوَ أجملُ
أَرَادَ بالفضول تغضُّنَ جلده لكبره بعد مَا كَانَ مكتنز اللَّحم وَكَانَ الجلدُ ممتدّاً مَعَ اللَّحْم لَا يفضُل عَنهُ.
وَفِي الحَدِيث: (لأنْ تَدَع ورثَتك أغنياءَ خيرٌ من أَن تدعَهم عَالَة يتكفَّفون النَّاس) مَعْنَاهُ: يسْأَلُون الناسَ بأكفِّهم يمدُّونها إِلَيْهِم.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: استكففتُ الشَّيْء واستشرفته، كِلَاهُمَا أَن تضعَ يدَك على حاجبك كَالَّذي يستظل من الشَّمس حَتَّى يستبين الشَّيْء.
وَقَالَ ابْن مُقبل يصف قِدْحاً لَهُ: