فِي الْيَاء الَّتِي فِي (الغلامين) الَّتِي هِيَ نفس الْإِعْرَاب فيظْهر يَاء ثَقيلَة فِي وزن حرفين، كَأَنَّك قلت: رَأَيْت غلاميبيك، وَرَأَيْت غلاميَّسد.
قَالَ: وَسمعت رجلا من بني كلب يَقُول: هَذِه وأبة، وَهَذِه امْرَأَة شأبة، فهمزوا الْألف مِنْهُمَا، وَذَلِكَ أَنه ثقل عَلَيْهِ إسكان الحرفَيْن مَعًا. وَإِن كَانَ الْحَرْف الآخر مِنْهَا متحرِّكاً؛ وَأنْشد الفَرّاء:
يَا عَجَبا لقد رأيتُ عَجَبَا
حِمار قَبَّان يَسُوق أَرْنَبَا
وأمّها خاطُمها أَن تذهبَا
وَقَالَ أَبُو زيد: أهل الْحجاز إِذا اضطروا نَبَروا.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الْهُذلِيّ: قد توضَّيْت، فَلم يهمز وحَوَّلها يَاء.
وَكَذَلِكَ مَا أشبه هَذَا.
قلت: وَقد ميزَّت فِي معتلات كل كتاب مَا يهمز ممّا لَا يهمز، تمييزاً لَا تتعذّر عَلَيْك مَعْرفَته، وحقّقت مَا يجب تَحْقِيقه فِي موَاضعه من أَبْوَاب المعتلات، وفصَّلت مَا لَا يهمز ممّا يهمز تَفْصِيلًا يقف بك على الصَّوَاب إِذا أَتَت بك الْقِرَاءَة عَلَيْهَا.
وَأما اللَّيْث بن المظفّر فَإِنَّهُ خلط فِي كِتَابه المَهموز بِمَا لَا يُهمز، حَتَّى يَعْسر على النَّاظر فِيهِ تَمْيِيز مَا لَا يهمز مِمَّا لَا يهمز، لاختلاط بعضه بِبَعْض.
وَللَّه الْحَمد على حسن توفيقه وتَسديده.
(خَاتِمَة الْكتاب)
وَهَذَا آخر الْكتاب الَّذِي سمّيته (تَهْذِيب اللُّغَة) وَقد حَرصت أَلا أُودعه من كَلَام الْعَرَب إلاّ مَا صحّ لي سَمَاعا، من أعرابيّ فَصيح، أَو مَحْفُوظًا لإِمَام ثِقة، حَسن الضّبط، مأمونٍ على مَا أَدّى.
وأمّا مَا يَقع فِي تضاعيف الْكتاب لأبي بكر مُحَمَّد بن دُريد الشَّاعِر وللّيث، ممّا لم أحفظه لغَيْرِهِمَا، فَإِنِّي قد ذكرت فِي أَول الْكتاب أَنِّي وَاقِف حُرُوف كَثيرة لَهما، وَأَنه يجب على النَّاظر فِيهَا أَن يَفحص عَنْهَا، فَإِن وجدهَا مَحْفُوظَة لإِمَام من أَئمة اللُّغَة، أَو فِي شعر جاهليّ، أَو بدويّ إسلامي، عَلِم أَنَّهَا صَحِيحة؛ وَإِذا لم تصحّ من هَذِه الْجِهَة توقّف عَن تصحيحها.
وَأما (النَّوَادِر) الَّتِي رَواها أَبُو عُمر الزَّاهِد وَأَودعها كِتَابه، فَإِنِّي قد تأمّلتها، وَمَا عثرت مِنْهَا على كلمة مصحّفة، أَو لَفْظَة مُزالة عَن وَجههَا، أَو محرفة عَن مَعْنَاهَا.
ووجدتُ عُظم مَا رَواه لأبي عمروٍ الشَّيباني، وَابْن الْأَعرَابِي، وَأبي زيد، وَأبي عُبَيْدَة، والأصمعي، مَحْفُوظًا من كُتبهم الْمَعْرُوفَة لَهُم، والنوادر الَّتِي رَواها الثِّقَات عَنْهُم.
وَلَيْسَ يَخفى ذَلِك على مَن درس كُتبهم وعُني بحفظها والتفقّد لَهَا.
وَلم أذهب أَنا فِيمَا أَلّفت وجَمعت فِي كتابي هَذَا مَذْهَب من تصدَّى للتأليف فَجمع مَا جمع من كُتب لم يُحكم مَعْرفَتهَا، أَو لم يَسمعها مِمَّن أَتقنها، وَحمله الجهلُ وقلّةُ الْمعرفَة على تحَصيل مَا لم يحصِّله، وإكمال مَا لم يكمّله، حَتَّى أَفضى بِهِ الْحَال إِلَى أَن صَحّف فَأكْثر، وغَيَّر فَأَخْطَأَ.
ولمّا رأَيْت مَا أَلّفْه هَذِه الطبقةُ، وجنايتهم على لِسَان الْعَرَب الَّذِي نَزل بِهِ الْكتاب وَوَردت السّنَن وَالْأَخْبَار، وإزالتهم لُغات الْعَرَب عَن صِيغَة أَلسنتها، وإدخالهم فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، علمتُ أَن المميّزين من عُلماء اللُّغَة قد قلّوا فِي أَقطار الأَرْض. وأَن من درس تِلْكَ الْكتب رُبمَا اغترّ بهَا واتّخذها أُصولاً فَبنى عَلَيْهَا؛ فألّفت هَذَا الْكتاب وأَعفيتُه من الحشو، وبيّنت فِيهِ الصَّوَاب من الْخَطَأ، بقَدر معرفتي، ونقيته من التَّصْحِيف المغيّر، وَالْخَطَأ المُستفحش والتَّغيير المُزال عَن جِهَته.
وَلَو أَني كثّرت كتابي هَذَا وحَشوته بِمَا حوته دفاتري، وَاشتملت عَلَيْهِ الْكتب الَّتِي أَفْسدها الورّاقون، وغيَّرها المصحِّفون، لطال الْكتاب وتضاعف على مَا انْتهى، وَكنت أَحد الجانين على لِسَان الْعَرَب.
وَالله يُعيذنا من ذَلِك، ويوفّقنا للصّواب، ويؤم بنَا سَمْت الْحق، ويتغمَّد برأفته زللنا بمنّه ورَحمته.
وَاعْلَم أَيهَا النَّاظر فِي كتابي هَذَا أَنِّي لَا أَدّعي أَنِّي حَصَّلت فِيهِ لُغَات الْعَرَب كلّها، وَلَا طَمِعت فِيهِ، غير أَنِّي اجتهدت أَن يكون مَا دوّنته مهذباً من آفَة التَّصْحِيف، منقىًّ من فَسَاد التَّغيير.
فَمن نظر فِيهِ من ذَوي المَعرفة فَلَا يَعجلن إِلَى الرَّد وَالْإِنْكَار، ولْيَتَثبَّث فِيمَا يخْطر بِبَالِهِ، فَإِنَّهُ إِذا فعل ذَلِك بَان لَهُ الحقّ وانتفع بِمَا اسْتَفَادَ.
وَمهما قَصرنَا عَنهُ فَإِنَّمَا هُوَ لعجز الْإِنْسَان عَن الْكَمَال، وَمَا كَانَ من إحساس فبتوفيق الله وتسديده، وَالنِّيَّة فِي كل ذَلِك مِنْهَا الِاجْتِهَاد فِي بُلُوغ الْحق.
وَأَسأَل الله ذَا المَنّ وَالطَّوْل أَن يعظم لي الْأجر على حسن النِّيَّة، وَلَا يحرمني ثَوَاب مَا توخّيته من النَّصِيحة لأهل الْعلم وَالْأَدب، وإياه أَسأَل مُبدياً ومُعيداً أَن يصلّي على مُحَمَّد النَّبِي وعَلى آله الطيبين أطيب الصَّلَاة وأزكاها، وَأن يُحلنا دَار كرامته، وَمُستقر رَحمته، إِنَّه أكْرم مسؤول، وَأقرب مُجيب.