الصِّدق دفَعوه. وأخبرَ أَبُو عُمر الزَّاهِد أَنه جرى ذكره فِي مجْلِس أَحْمد بن يحيى فَقَالَ: اعذِبوا عَن ذكر الجاحظ فَإِنَّهُ غير ثِقَة وَلَا مَأْمُون.
وَأما أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُسلم الدينَوَرِي: فإنَّه ألَّف كتبا فِي (مُشكل الْقُرْآن وغريبه) ، وألَّف كتاب (غَرِيب الحَدِيث) ، وكتاباً فِي (الأنواء) ، وكتاباً فِي (الميسر) ، وكتاباً فِي (آدَاب الكتَبة) ، وردَّ على أبي عبيد حروفاً فِي (غَرِيب الحديثِ) سمَّاها (إصْلَاح الْغَلَط) . وَقد تصفَّحتها كلهَا، ووقفت على الْحُرُوف الَّتِي غلِط فِيهَا وعَلى الْأَكْثَر الَّذِي أصَاب فِيهِ. فأمَّا الْحُرُوف الَّتِي غَلِط فِيهَا فإنّي أثبتُّها فِي موقعها من كتابي، ودللت على مَوضِع الصَّوَاب فِيمَا غلط فِيهِ.
وَمَا رَأَيْت أحدا يَدْفَعهُ عَن الصدْق فِيمَا يرويهِ عَن أبي حَاتِم السِّجزي، وَالْعَبَّاس بن الْفرج الرِّياشيّ، وَأبي سعيد المكفوف الْبَغْدَادِيّ. فأمَّا مَا يستبدُّ فِيهِ بِرَأْيهِ من معنى غامض أَو حرفٍ من علل التصريف والنحو مُشكل، أَو حَرفٍ غَرِيب، فإنَّه ربَّما زلَّ فِيمَا لَا يخفى على مَن لَهُ أدنى معرفَة. وألفيته يَحدِس بالظنِّ فِيمَا لَا يعرفهُ وَلَا يُحسنهُ. وَرَأَيْت أَبَا بكر بنَ الْأَنْبَارِي ينْسبهُ إِلَى الْغَفْلَة والغباوة وقلَّة الْمعرفَة، وَقد ردَّ عَلَيْهِ قَرِيبا من رُبع مَا ألَّفه فِي (مُشكل الْقُرْآن) .
وممّن ألَّف فِي عصرنا الكتبَ فوُسمَ بافتعال الْعَرَبيَّة وتوليد الْأَلْفَاظ الَّتِي لَيْسَ لَهَا أصُول، وإدخالِ مَا لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب فِي كَلَامهم.
أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن دُرَيْد الْأَزْدِيّ: صَاحب كتاب (الجمهرة) ، وَكتاب (اشتقاق الْأَسْمَاء) ، وَكتاب (الملاحن) . وحضرته فِي دَاره بِبَغْدَاد غير مرَّةٍ، فرأيته يروي عَن أبي حاتمٍ، والرياشيِّ، وعبد الرحمن ابْن أخي الْأَصْمَعِي، فَسَأَلت إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَرَفَة الملقب بنفطويه عَنهُ فاستخف بِهِ، وَلم يوثِّقْه فِي رِوَايَته.
ودخلتُ يَوْمًا عَلَيْهِ فَوَجَدته سَكرَان لَا يكَاد يستمرُّ لسانُه على الْكَلَام، من غَلَبَة السكر عَلَيْهِ. وتصفحت كتاب (الجمهرة) لَهُ فَلم أره دَالا على معرفَة ثاقبة، وعثرت مِنْهُ على حُرُوف كَثِيرَة أزالها عَن وجوهها، وأوقعَ فِي تضاعيف الْكتاب حروفاً كَثِيرَة أنكرتُها وَلم أعرف مخارجَها، فأثبتُّها من كتابي فِي مواقعها مِنْهُ، لأبحث عَنْهَا أَنا أَو غَيْرِي ممّن ينظُر فِيهِ. فَإِن صحَّت لبَعض الْأَئِمَّة اعتُمدَتْ، وَإِن لم تُوجد لغيره وُقِفَت.
وَالله الميسر لما يرضاه وَمَا يَشَاء.
وَمِمَّنْ ألف وَجمع من الخراسانيين فِي عصرنا هَذَا فصحَّف وغيَّر وأزالَ الْعَرَبيَّة عَن وجوهها رجلَانِ: