واجتهد الناس في وجود شيء شبيه بها فتعذر عليهم فظهر أيضا من عجزه وامتناع مطلوبه عليه ما تضاف به جزعه وحزنه.

وأما أوساط الناس فإنهم متى أدخروا آلة كريمة أو جوهرا نفيسا أو اتخذوا مركوبا فارها أو ما أشبه هذه الشياء التمسها منه من لا يمكنه رده عنها فإن حجزه عنها وبخل عليه بها فقد عرض نفسه ونعمته للبوار.

وإن سمح بها لحقه من الغم والجزع ما كان مستغنيا عنه.

وأما الأحجار المتنافس فيها من اليواقيت وأشباهها مما تبعد عنها الآفات في أنفسها فليس تبعد عنها الآفات الخارجة عنها من السرقة ووجوه الحيل فيها وإذا أدخرها الملك قل انتفاعه بها عند حاجته إليها وربما عدم الإنتفاع بها دفعة.

ذلك أنه إذا اضطر إليها لم تنفعه في عاجل أمره وحاضر ضرورة الملك. وقد شاهدنا أعظم الملوك خطرا في عصرنا لما احتاج إليها بعد فناء أموال ونفاد ما في خزائنه وقلاعه لم يجد ثمنها ولا قريبا من ثمنها عند أحد ولم يتحصل منها غلا على الفضيحة في حاجته إلى رعيته في بعض قيمتها وهو لا يقدر على قليل ولا كثير من أثمانها وهي مبذولة مبتذلة في أيدي الدلاين والتجار والسوقة يتعجبون منها ولا يقدرون عليها. ومن قدر منهم على ثمن شيء منها لم يتجاسر عليها خوفا من تتبعه بعد ذلك وظهور أمرة وإنتزاعها منه.

فهذه حال هذه الذخائر عند الملوك. أما التجار الموسومون بهذه الصناعة فربما اتفق لهم زمان صلاح وسكون من الرؤساء وأمن في السرب وحينئذ تكون بضاعتهم شبيهة بالكاسدة لأنها لا تنفق إلا على الملوك الودعين الذين لا يحزمنهم شيء من نوائب الدهر وقد استمر بهم الخفض وفضلت أموالهم عن الخزائن والقلاع فحينئذ يغترون بالزمان فيقعون في مثل هذه الخدائع ثم تؤول عاقبتهم إلى ما حذرنا منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015