ولعل بعض من يصل إلى الملك أو السلطان فيلتذ في المبدء مدة يسيرة جدا بمقدار ما يتمكن منه وتنفتح عينه فيه. لكنه بعد ذلك يصير جميع ما ملكه كالشيء الطبيعي له لا يلتذ به ولا يفكر فيه ويمد عينه إلى مالا يملكه. فلو ملك الدنيا بحذافيرها لتمنى دنيا أخرى أو نزقت همته إلى البقاء الأبدي والملك الحقيقي حتى تتبرم بجميع ما وصل إليه وبلغته قدرته. ذلك أن حفظ الدنيا صعب جدا لما في طبيعتها من الإخلال والتلاشي ولما يضطر الملك إليه من الأمور التي وصفناها والأموال الجمة المصروفة إلى الجند المرتبطين والخدم المتسومين والذخائر والكنوز المعدة للآفات والحوادث التي لا يؤمن طروقها.

فهذه حال طلاب النعم الخارجة عنا وأما تلك النعم التي في ذواتنا فإنها موجودة عندنا وفينا وهي غير مفارقة لنا لأنها موهبة الخالق جل وعلا وقد أمرنا باستثمارها والترقي فيها فإذا قبلنا أمره أثمرت لنا نعما بعد نعم ورقينا درجة بعد درجة حتى تؤدينا إلى النعم الأبدية التي وصفناها فيما تقدم وهو الملك الحقيقي الذي لا يزول والغبطة الأبدية الصافية التي لا تحول. فمن أخسر صفقة وأظهر سقطة ممن أضاع جواهر نفيسة باقية عنده وموجودة له وطلب أعراضا خسيسة فانية ليست عنده ولا موجودة له. فإن اتفق أن يجدها لم تبق له ولم تترك عليه وذلك أنها تنقل عنه أو ينقل عنها لا محالة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015