وقد حكمنا أيضا أن الملوك مناهم أشد الناس فقرا لكثرة حاجتهم إلى الشياء ولقد صدق أبو بكر الصديق في خطبته حيث قال (اشقىالناس في الدنيا والآخرة الملوك) ثم وصفهم فقال (إنالملك إذا ملك زهده الله فيما في يده ورغبه فيما في يد غيره وانتقصه شطر أجله وأشرب قلبه الإشفاق فهو يحسد على القليل ويتخسط بالكثير ويسأم الرخاء وإن انقطعت عنه اللذة لا يستعمل الغيرة ولا يسكن إلى الثقة فهو كالدرهم الغش والسراب الخادع جلد الظاهر حزين الباطن فإذا وجبت نفسه ونضب عمره ومحي ظله حاسبه فأشد حسابه وأقل عفوه ألا أن الملوك هم المرحومون) فهذه صفة الملك إذا تمكن من ملكه لا يغادر منه شيئا ولقد سمعت أعظم من شاهدت من الملوك يستعيد هذا الكلام ثم يستعبر لموافقته ما في قلبه وصدقه عن حاله وصورته. ولعل من يرى ظاهر الملوك من الأسرة والفرش والزينة والأثاث ويشاهدهم في مواكبهم محفوفين محشودين بين أيديهم الجنائب والمراكب والعبيد والخدم والحجاب والحشم يروعه ذلك فيظن أنهم مسرورون بما يراه لهم. لا والذي خلقهم وكفانا شغلهم أنهم لفي هذه الأحوال ذاهلون عما يراه البعيد لهم مشغولون بالأفكار التي تعتورهم وتعتريهم فيما قلناه من ضروراتهم وقد جربنا ذلك في اليسير مما ملكناه فدلنا على الكثير مما وصفناه.