القناعة

لذلك قال الحيكم لمن زرق الكفاية ووجد القصد من السعادة الخارجة أن لا يشتغل بفضول العيش فإنها بلا نهاية. ومن طلبها أوقعته في مهالك لا نهاية لها. وقد أعلمناك فيما تقدم ما الكفاية وما القصد وإن الغرض الصحيح بينهما هو مداواة الآلآم والتحرز من الوقوع فيها لا التمتع وطلب اللذة.

وإن من عالج الجوع والعطش اللذين هما مرضان مؤلمان حادان لا ينبغي له أن يقصد لذة البدن بل صحته وسيلتذ لا محالة. فإن من طلب بالعلاج اللذة لا الصحة لم تحصل له الصحة ولم تبق له اللذة.

وأما من لم يرزق الكفاية واحتاج إلى السعي والإضطراب في تحصيلها فيجب أن لا يتجاوز القصد وقدر حاجته منها إلى ما يصطر معه إلى السعي الحثيث والحرص الشديد والتعرض لقبيح المكاسب أو ضروب المهالك والمعاطب. بل يجمل في طلبها إجمال العارف بخساستها وأنه يضطر إليها لنقصانه فيطلب منها كسائر الحيوانات في ضروراتها.

فإن العاقل إذا تصفح أحوالها وجد منها ما يأكل الميتة ومنها ما يأكل الروث وما في الحش وهي مسرورة بما تجده من أقواتها قريرة العين بها. وليست تحس من نفوسها نفورا ولا تنصرف نفوسها عنها كما تنصرف نفوس الحيوانات المضادة لها بل إنما تنصرف من أقوات تلك الأخر التي تضادها في النظافة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015