مع مقاسات هذه الأهوال. وربما عرضت لهم الندامات المفرطة والحسرات المعطبة التي تقطع أنفساهم وتفصل أعضاءهم فإن ظفروا بشيء من مطالبهم كان لا محالة زائلا عن قرب أو معرضا للزوال وغير مطموع في بقائه لأنه منخارج وما كان خارجا عنها فهو غير ممتنع عما يطرقه من الحوادث التي لا تحصى كثرة. وصاحبه مع هذه الحال شديد الوجل دائم الإشفاق متعب الجسم والنفس يحفظ ما لا يجد إلى حفظه سبيلا والحذر على مالا يغني فيه الحذر فتيلا.
وإن كان طالب هذه الأشياء الخارجة عنا سلطانا أو صاحب سلطان تضاعفت عليه هذه المكاره أضعافا كثيرة بقدر ما يلابسه وبحسب ما يقاسيه من الأضداد والحساد على البعد ومن القرب وبكثرة ما يحتاج إليه من المؤن في إستصلاح من يليه ويلي من يليه من مدارة من يواليه ويعاديه. وهو في كل ذلك ملوم مستبطأ ومعتب مستقصر ويستزيده جميع أهله والمتصلين به ولا سبيل له إلى إرضاء واحد منهم فضلا عن جميعهم. ولا يزال يبلغه عن أخص الناس به من أولاده وحرمه ومن يجري مجراهم من حاشيته وخوله ما يملأه غيظا وحنقا وهو غير آمن على نفسه من جهتهم مع التحاسد الذي بينهم من مكاتبة الأعداء إياهم ومواطأة الحساد لهم. وكلما ازداد من الأعوان والأعضاد والأنصار زادوه في شغل القلب وجلبوا إليه من المكاره ما لم يكن عنده فهو غنى عند الناس وهو أشدهم فقرا ومحسود وهو أكثرهم حسدا. وكيف لا يكون فقيرا وحدا الفقر هو هو كثرة الحاجة فأكثر الناس حاجة أشدهم فقرا كما أن أغنى الناس أقلهم حاجة. ولذلك حكمنا حكما صادقا بأن الله تعالى أغنى الأغنياء لأنه لا حاجة له إلى شيء من الأشياء.