أماالمحبة الثانية فهي تتلوها لأن سببها هو السبب الثاني في وجودنا الحسي أعني أبداننا وتكويننا.

وأما محبة الحكماء فهي أشرف وأكرم من محبة الوالدين لأجل أن تربيتهم هي لنفوسنا وهم الأسباب في وجودنا الحقيقي وبهم وصولنا إلى السعادة التامة التي نلنا بها اللقاء الأبدي والنعيم السرمدي في جوار رب العالمين. فبحسب فضل إنعامهم علينا وبقدر فضل النفوس على الأبدان تجب حقوقهم وتلزم طاعتهم ومحبتهم وليس يبلغ أحد جزاء ولا مكافأة الأول ولا ما يستأهله الثاني أعني الوالدين وإن هو اجتهد وبالغ ولا يؤدي حقوقهما أبدا وإن خدم بأقصى طاقته وغاية وسعه، وأما محبة طلب الحكمة للحكيم والتلميذ الصالح للمعلم الخير فإنها من جنس المحبة الأولى وفي طريقها. وذلك لأجل الخير العظيم الذي يشرف عليه ويصل إليه وللرجاء الكريم الذي لا يتحقق إلا بعنايته ولا يتم إلا بمطالعته. ولأنه والدروحاني ورب بشرى وإحسانه إحسان إليه ذلك أنه يربيه بالفضيلة التامة ويغذوه بالحكمة البالغة ويسوقه إلى الحياة الأبدية والنعيم السرمدي. وإذا كان هو السبب في كل وجودنا العقلي وهو المربي لنفوسنا الروحانية فبحسب فضل النفس على البدن يجب أن يفضل المنعم بذاك وبقدر فضلها على البدن يكون فضل التربية على التربية فيحق أن يحب التلميذ معلم الحكمة محبة خالصة شبيهة بالمحبة الأولى. ولذلك قلنا أن هذه المحبة من جنس المحبة الأولى والطاعة له من جنس تلك الطاعة وكذلك تعظيمه له وإجلاله إياه. ثم لما كان سبب هاتين النعمتين ومعرضنا لهما وسائقنا إليهما وإلىجميع النعم هو السبب الأول الذي هو سبب الخيرات كلها قربت منا أوبعدت عنا عرفناها أو لم نعرفها وجب أن تكون محبتنا لهفي أعلى مراتب المحبات وكذلك طاعتنا له وتمجيدنا إياه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015