فتصير محبة الأخيار إلى تباغض الأشرار وتعود الألفة نفارا والتواد نفاقا ويطلب كل واحد لنفسه ما يظنه خيرا له وأن أضر بغيره وتبطل الصداقات والخير المشترك بين الناس ويؤول الأمر إلى الهرج الذي هو ضد النظام الذي رتبه الله لخلقه ورسمه بالشريعة وأوجبه بالحكمة البالغة.

المحبة التي لا تطرأ عليها الآفات

وأماالمحبة التي لا تشوبها الإنفعالات ولا تطرأ عليها الآفات وهي محبة العبد لخالقه عز وجل فإنها إنما تخلص للعالم العرباني وحده خاصة ولا سبيل لغيره إليها إلا بالدعوى الكاذبة. وكيف يجد الإنسان السبيل غلىمحبة من لا يعرفه ولا يعرف ضروب إنعامه الدارة عليه ووجوه إحسانه المتصلة به في بدنه وفنسه اللهم إلا أن يتصور في نفسه صنما ويظنه الخالق عزوجل فيحبه ويعبده فإن اكثر الناس كما قال تعالى: (وَما يُؤمِنُ أَكثَرُهم بِاللهِ إِلا وَهُم مُشرِكون) ولعمري أن العامة تدعى المعرفة والمحبة وهم يتصورون شخصا وشبحا فتكون عبادتهم له دون الله وهذا هو الضلال البعيد. ومدعو هذه المحبة كثيرون جدا والمحقون منهم قليلون حداا بل هم أقل من القليل. وهذه المحبة لا محالة تتصل بها الطاعة والتعظيم ويتلوها ويقرب منها محبة الوالدين وإكرامهما وطاعتهما. وليس يرتقي إلى مرتبتهما شيء من المحبات الأخر إلا محبة الحكماء وطاعتهما. وليس يرتقي إلى مرتبتهما شيء من المحبات الأخر إلا محبة المحكماء عند تلامذتهم فإنها متوسطة بين المحبة الأولى والمحبة الثانية.

وذلك أن المحبة الأولى لا يبلغها شيء من المحبات كما أن أسبابها لا يبلغها شيء من الأسباب والنعم التي تأتي من قبلها لا يشبهها شيء من النعم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015