وكذلك محبة الوالد للولد والولد للوالد فإن أنواع هذه المحبة مختلفة وأسبابها أيضا مختلفة كما قلنا إلا أن محبة الوالد للولد والولد للوالد وإن كان بينهما اختلاف ما من وجه فإن بينهما إتفاقا ذاتيا.

وأعني بالذاتي ههنا إن الوالد يرى في ولده أنه هو هو وأنه نسخ صورته التي تخصه من الإنسانية في شخص ولده نسخا طبيعيا ونقل ذاته إلى ذاته نقلا حقيقيا. وحق له أن يرى ذلك لأن التدبير الإلهي بالسياسة الطبيعية التي هي سياسته عز وجل هو الذي عاون الإنسان على إنشاء الولد وجعله السبب الثاني في إيجاده ونقل صورته الإنسانية إليه.

ولذلك يحب الوالد لولده جميع ما يحبه لنفسه ويسعى في تأديبه وتكميله بكل ما فاته في نفسه طول عمره. ولا يشق عليه أن يقال له ولدك أفضل منك لأنه يرى أنه هو هو. وكما أن الإنسان إذا تزايد في نفسه حالا فحالا وترقى في الفضيلة درجة فدرجة لا يشق عليه أن يقال له إنك الآن أفضل مما كنت بل يسره ذلك كذلك تكون حاله إذا قيل له في ولده مثل ذلك. ثم تفضل أيضا محبة الوالد على محبة الولد بأنه الفاعل له وبأنه يعرفه منذ أول تكوينه ويستبشر به وهو جنين ثم تزداد محبته له مع التربية والنشأة ويتأكد سروره به وتأميله له. ويحدث له اليقين بأنه باق به صورة وأن فنى بجسمه مادة وهذه المعاني الجليلة عند أهل العلم تتراءى للعوام كأنها من وراء ستر.

وأما محبة الولد للوالد فإنها تنقص عن هذه الرتبة بأن الولد مفعول وبأنه لا يعرف ذاته ولا فاعل ذاته إلا بعد زمان طويل وبعد أن يستثبت أباه حسا وينتفع به دهرا ثم يعقل بعد ذلك أمره بالصحة وعلى مقدار عقله واستبصاره في الأمور يكون تعظيمه لوالديه ومحبه لهما ولهذه العلة وصى الله عز وجل الولد بوالده ولم يوص الوالد بولده. وأما محبة الأخوة بعضهم لبعض فلأن سبب تكوينهم ونشؤهم واحد بعينه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015